قناة العربية.. والطائفية الإلكترونية

TT

صراع فيه تدمير لكن ليس فيه دماء وأشلاء، فيه تحسس وتجسس وتسلل ثم نسف لكن لا دخان ولا أنقاض ولا غبار، هذا هو باختصار الاختراق الالكتروني للمواقع والسيرفرات، موقع قناة العربية على النت كان آخر وأشهر المواقع تعرضا للهجوم الالكتروني، والكتيبة الالكترونية المهاجمة شيعية الانتماء، فبعد أن أحدثت بعض الدمار على الموقع وقبل أن تنسحب الكتيبة الرقمية إلى قواعدها الكمبيوترية السرية ترك قائدها نصا تحذيريا لعموم أهل السنة على الصفحة الرئيسية، بأنه إذا استمرت الاختراقات على المواقع الشيعية بعد هذا، فلن يسلم أي موقع سني، وقالت الكتيبة في بيانها الرقمي العسكري إن أكثر من 100 موقع سني تم اختراقها انتقاما من اختراق سني لمواقع شيعية أبرزها موقع المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني وموقع «آل البيت» وهو أكبر موقع شيعي في العالم، وكان موقع الشيخ بن باز والشيخ عايض القرني قد تعرضا أيضا لقرصنة مماثلة.

وكما هو معروف فقناة العربية ليبرالية الهوى وليست إسلامية التوجه، كما أنها منفتحة في برامجها وحواراتها على كل ألوان الطيف الفكري والعقائدي مما جعلها في بعض الأحيان هدفا لسخط الجميع، ولكن لأنها إحدى القنوات الأشهر في الجانب السني فقد صارت هدفا إلكترونيا مغريا، وهذا يذكرنا بحوادث الثأر القبلية فحين يقتل فرد من قبيلة، فالثأر لا يكون بالترصد لقتل القاتل وإنما بقتل أحد رموز القبيلة الأخرى، وهكذا الاقتتال الالكتروني لا بد أن يكون الثأر فيه هدفا الكترونيا سمينا كسمن «العربية نت»، أو موقع ابن باز أو السيستاني.

وأصعب من تتبع وكشف قراصنة المواقع الالكترونية معرفة حدود الجانب الأخلاقي في أي قرصنة الكترونية، هل هي مقبولة أم مرفوضة؟ ففيما يؤكد البعض أن الأصل في المواقع الالكترونية أنها مساحات لحرية الرأي والتعبير لمعتنقيها صوابا أم خطأ، فقرصنتها وتدميرها عمل لا أخلاقي وضد مبدأ الحريات، يقول آخرون إنه لو كان الأمر كذلك فيما يتعلق بالمواقع الالكترونية الدينية أو المذهبية أو الإعلامية، فما بال القرصنة التي تستهدف المواقع الجنسية الإباحية؟ والمواقع الالكترونية الإسرائيلية؟ أو المواقع التي تنشر سبا وشتما واستهزاء بالقرآن والرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ فمن يحظر قرصنة مثل هذا المواقع فسيقع في محظور واضح، ومن يؤيد حربا ضد هذه المواقع الالكترونية فسيفتح بابا مشرعا لاجتهادات تستبيح تدمير المواقع الالكترونية التي يرى فيها المهاجمون سبا لرموزه أو إساءة لمعتقده أو حتى مخالفة لمنهجه.

ولهذا جرت مناوشات الكترونية وتدمير متبادل، إسلاميون ضد ليبراليين، وسنة ضد شيعة، ومسلمون ضد نصارى، والعكس، مما يجعل إقناع أي طرف بالتوقف عن القرصنة المتبادلة مهمة مستحيلة، أولا لأن هناك منطقة ضبابية لا تتفق حولها الرؤية سماحا أو حظرا والمبررات جاهزة، وثانيا أن أعمال القرصنة في الغالب فردية وليست جماعية، فمن السهل على فتى متحمس موهوب أن يتعلم طرق القرصنة ليكون «هكرا» محترفا يصول ويجول في العالم الالكتروني، وحتى أعرف بنفسي كيف يتعلم الهكرز, استفتيت العلامة «قوقل» فدلني على عشرات المواقع وعدد من الكتب منها كتاب يبدأ بعنوان أثري والمحتوى الكتروني «المرشد في اختراق المواقع والسيرفرات»، فالقرصنة في متناول الجميع لا تحتاج إلا موهبة الكترونية معقولة لينطلق في الهجوم.

سيظل الصراع الالكتروني قائما ما دام هناك صراع أيديولوجي وسياسي واقتصادي وإعلامي، ولن يكون أحد بمأمن من الحرب الالكترونية لأن أي نظام حماية سيوجد من يخلخله ويخترقه.

[email protected]