الرجل الذي خرج من الركام!

TT

قبل أسابيع من الآن كان رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أشبه بالمتوفى سياسيا، حيث كان المراقبون ينتظرون إكرام الميت، وذلك يعني خروجه من 10 داوننغ ستريت. إلا أن الأرقام الاقتصادية جرت على عكس ما يشتهي معارضوه.

فقد فتحت السماء أبوابها من جديد لوزير المال السابق، ورئيس الوزراء الحالي غوردن براون، على طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد. فبراون الذي كان الحديث يدور قبل أسابيع فقط عن تآمر بعض أعضاء حزبه ضده، وظهور صعوبات بينه وبين بعض وزرائه، بات اليوم زعيما يشار له بالبنان.

فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم، وبريطانيا واحدة من الدول المتضررة منها، أخرجت براون من أنقاض الركام الاقتصادي، ليس ناجيا وحسب، بل وقائدا على العالم أن يتبع خطاه!

قدم براون خطة إنقاذ لبعض بنوك بلاده المتضررة تبلغ تكلفتها حوالي 37 مليار جنيه استرليني تضمن للحكومة الجلوس على مقاعد الملاك، حيث تستحوذ في بعض الحالات على الحصة الأكبر في ملكية عدد من البنوك، وهذه ليست المرة الأولى، إذ أن براون أنقذ من قبل بنك «نورذرن روك».

واليوم، ومن أجل أن تنقذ أميركا وأوروبا بنوكهما، عليهما السير على خطى براون، الذي يعيش اليوم في أفضل أوقاته بحيث بات قادرا على أن يرمي خصومه في نهر التايمز. كما أن الاقتصاد يثبت مجددا أن بوسعه تحديد حياة السياسي. كيف لا وقد رأينا هذا الأمر من قبل عندما خرج الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) منتصرا في حرب تحرير الكويت عام 1991، وبلغت شعبيته يومها درجة أشعرته، وفريق حملته، بأنه قادر على سحق خصمه صغير السن، حينها، بيل كلينتون.

يومها كان الاقتصاد الأميركي يمر بمرحلة ركود، وأطلق الداهية جيمس كارفيل المسؤول عن استراتيجية حملة كلينتون الانتخابية عبارته الشهيرة «انه الاقتصاد يا غبي»، حيث أسدلت تلك العبارة الستار على واحد من أعرق ساسة أميركا، ووصول كلينتون للبيت الأبيض.

واليوم نرى في أميركا كيف يرجح الاقتصاد كفة سياسي على آخر، فالمرشح الديموقراطي أوباما يتقدم على منافسه الجمهوري ماكين، ليس بوضوح خطته لإنقاذ الاقتصاد، بل بالتركيز على تصوير ماكين على أنه استمرار للرئيس الحالي بوش، الذي علقت الأزمة الاقتصادية به.

وهذا لا يعني بالضرورة نهاية فرص ماكين للفوز بالرئاسة، فما تزال أمامه قرابة أربعة أسابيع، وكما يقال فإن أسبوعا في السياسة يعد وقتا طويلا، لكن من دون شك فإن الأزمة الاقتصادية العالمية منحت فرصة أكبر لأوباما.

الدرس الذي يمكن استخلاصه من تحول رئيس الوزراء البريطاني براون من زعيم متوف سياسيا، إلى قائد في معركة اصلاح الاقتصادي العالمي، هو أن الناس في نهاية المطاف حريصة على من يضمن لها أمنها الاقتصادي. فالمواطن، ينتخب، أو لا ينتخب، همّه في نهاية يومه أن يتأكد من قدرته على دفع مصاريف أسرته، وتوفير منزل، وحياة كريمة لها. فمهما انجرّ الناس للشعارات السياسية، والآيدولوجية، ففي النهاية هم أكثر حذرا من الساسة، خصوصا إذا كان المقياس جيوبهم!

[email protected]