الإيمان بين الجوعان و الشبعان

TT

هذه مقالة مخصصة لفائدة كل هؤلاء المشردين العرب الهاربين من حكوماتهم المستبدة ومجتمعاتهم المتخلفة. بالإضافة للمعونة التي تقدمها الحكومات البريطانية لضحايا سياساتها الامبريالية. هناك وسائل عديدة للحصول على أكل مجاني في لندن. من ذلك مثلا الوجبة النباتية التي تقدم للمتعبدين والمتفرجين في المعابد البوذية بعد العبادة. دعتني يوما الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي الى تناول العشاء معها. استغربت من دعوتها وهي على ما كانت عليه من فاقة وعوز في أيام التلمذة. تبعتها أملا في الحصول على وجبة مجانية، فأخذتني الى المعبد البوذي المجاور للمتحف البريطاني. تفرجنا على عبادتهم واستمعنا الى أجراسهم الموسيقية، ثم قدموا لنا الأكل. وحدثتني الزميلة الفاضلة أثناء ذلك عن الكثير من فوائد الطعام النباتي على الصحة والبدن. واشارت الى جسمها الدقيق وما بدا من عظام ترقوتها كبرهان على ما تقول.

لمن لا يحب الأكل النباتي هناك الكنائس البولونية التي تقدم الطعام للمساكين والمعوزين، كما اكتشفت مؤخرا. كنت مارا بفليت ستريت، شارع الصحافة، ورأيت جمهورا حاشدا أمام إحدى الكنائس. استغربت. فالمعتاد في بريطانيا أن تجد الكنائس خاوية على عروشها والقس جالسا في زاوية، مشغولا بحل لغز الكلمات المتقاطعة لجريدة «الغارديان». تساءلت ما هذا الزحام من المتعبدين هنا؟ أهي معجزة أخرى من معجزات الخالق؟ دخلت لأشاهدها. ما أن اجتزت الباب حتى اقتادوني الى غرفة جانبية وأمروني بالجلوس. أطعت وجلست، فجاؤوني بطاسة مليئة بشوربة غنية بالمعكرونة واللحم ورغيف خبز وقطعة حلوى. أكلت وتجشأت وشكرت راعي الكنيسة وخرجت وقد وفرت على نفسي فاتورة الغداء في مطعم. يظهر انهم نظروا الي فاعتبروني واحدا من المساكين وأبناء السبيل يستحق الصدقة والإحسان. البولونيون من الشعوب الاوروبية القليلة التي ما زالت تؤمن بالقيام بالواجبات الدينية وبالصدقات كباب من ابواب الجنة.

سائر المساجد تقدم ايضا وجبات الإفطار المجانية للصائمين. ويستطيع غير الصائم أن يقتدي بي فيذهب الى كنيسة بولونية ويحصل على وجبة غداء شوربة. وتقدم بعض المراكز الاسلامية، كالديوان الثقافي العراقي في دار الاسلام، الطعام لمن يحضر ويستمع لمحاضراتها. وهو ما فعلته قبل ايام ثم مشيت شارع اجوير رود الى الملتقى العربي في ماربل آرتش حيث ختمت العشاء بالشاي والبسكويت الذي يقدمه الملتقى لكل من يجلس ويستمع لسيل الشتائم على انور السادات من الاخوان الناصريين المشرفين على الملتقى. ولمن يفضل الشراب البارد على الشاي، يستطيع ان يأخذ القطار الى إيلنغ ويقصد غالري اركسبيس العراقي ليحظى بقدح من الشراب وحفنة من الكرسب المملح والمخلل.

وهكذا يستطيع الانسان في الواقع أن يقضي حياته في بريطانيا يأكل ويشرب ويتقهوى بدون ان يكلف نفسه شراء أي شيء أو طبخ أي طعام أو الزواج بأي امرأة وتحمل منتها وكلامها ونفقاتها. كل ما عليه هو أن ينظم أوقاته وأيامه ويدوِّن تفاصيل كل هذه الاكلات والدعوات المجانية. وفضلا عن ذلك يحصل على طعام صحي خاضع للرقابة والتفتيش، وهو ما لا يحصل عليه في بيته أو بيوت أصحابه.

www.kishtainiat.blogspot.com