الفأل في بريدي

TT

اسمحوا لي أن أقدم نفسي، إنني خائنة وغبية، كما كان من الواجب على أمي أن تجهضني قبل مولدي، وأن تتركني في مقلب قمامة، ولكن بما أنها لم تفعل، فإنه يجب علي أن أنأى بنفسي بعيدا وأعتزل الحياة.

تلك الكلمات إنما هي نذر يسير اخترته بصورة عشوائية من آلاف رسائل البريد الإلكتروني التي وردتني ردا على مقالتي التي كتبتها وأشرت فيها إلى أن بالين خسرت وأن عليها أن تتنازل عن الترشح. وما سقته يدفعني إلى أن أتساءل: من الذي قال إن النقاش العام لم يتراجع؟

لقد كان رد الفعل العنيف ذلك على مقالتي محفزا لي ومنيرا لي الطريق. فبعد 20 عاما من كتابة المقالات الصحافية، أصبحت معتادة على الرسائل الغاضبة. ولكن خلال الأيام الماضية، كانت الرسائل التي تردني تحمل رد فعل من نوع مختلف تماما لم أعهده من قبل، فلم تكن تلك الردود غاضبة فقط، لكنها كانت تضمر الشر والتهديد. فقد شعر بعض قرائي بالخيانة لأنني كتبت، عدة مقالات، أؤيد فيها بالين من قبل، وأنني بتغيير رأيي الآن أصبحت في نظرهم خائنة للحزب الجمهوري، ولست محافظة «بالمعنى الصحيح».

لكن المؤكد، هو أنني لست موظفة من قبل الحزب الجمهوري، وإذا ما كنت كذلك فإن الحزب سيكون بذلك في أزمة. لكن دعوني أتساءل: ما هو المعنى الحقيقي لكلمة محافظ ومن هو المحافظ الحق؟ هل يعني لكي أكون محافظة ألا أفكر وألا أطرح الأسئلة وأن أسير في ركاب الحزب دون إعمال العقل؟ وقد جاء الكثير من التعليقات الحماسية التي تؤيد بالين بالقول إن بالين «واحدة منا». ويقول مناصرو بالين إنهم يحبونها لأنها ليست من داخل المؤسسة الحاكمة، ولم تكن يوما عضوا في نادي واشنطن. ويكتب أحد القراء في ذلك مؤكدا أنها عندما توجد في اللقاءات يتطلعون إليها ويقولون: «انظر إلي افتقارها إلى الخبرة السياسية، نحن نحييها».

لكن من المؤكد أن هناك اختلافا كبيرا بين الافتقار إلى الخبرة السياسية وبين الافتقار إلى الترابط المنطقي، فبعض ردود بالين خلال المقابلات لا يمكن حتى إبراز مزاياها لأنها حمقاء بالفعل، لكن أنصارها يدافعون عن ذلك بالقول: إن ذلك خطأ شخص آخر بالفعل، فوسائل الإعلام لا تجعلها تشعر بالراحة. وربما يكون ذلك خطأ السياسيين المحنكين الذين يبالغون في التحكم فيها. وقد كان آخر الصيحات التي دارت بين زملائي في اليمين: «اتركوا سارة لتكون على طبيعتها» إنها ستكون بخير إذا ما تركناها لتمضي على سجيتها. لم يكن كل بريدي مشحونا بتلك العاصفة من المشاعر العدائية، بل كان هناك عدد قليل من الكتاب الذين عبروا عن إحباطهم، بينما شعر آخرون بالارتياح والامتنان، وقام البعض بمحاولات لتغيير رأيي. إلا أنني عندما كتبت تلك السطور عن هذا العدوان وقراري بالكتابة عنه لم يكن لأمر يخصني أو يخص سارة بالين، بل كان لأمر يخصنا نحن ويخص بلدنا وما نؤمن به حقا.

ولا يخفى على ذي بال أننا أصبحنا دولة متحزبة، وقد قدمت أحداث هذا الأسبوع الدليل على أن العصبية السريعة أدت إلى فشل الكونغرس في إقرار خطة الإنقاذ المالي التي نحتاجها لحماية نظامنا المالي من التخبط. وقد ألقت نانسي بيلوسي، رئيسة المجلس، خطبة حزبية واضحة ألقت فيها باللائمة في قضية أزمة القروض الراهنة على إدارة بوش (متناسية دور إدارة كلينتون في إطلاق أزمة القروض الكبيرة). ورد الجمهوريون بالتصويت ضد القانون، لكني أعتقد أن الكل يتحمل جزءا من اللوم. تلك المغالاة في المناصرة الحزبية سيكون لها تأثير سلبي على الحكومة، وقد يكون ذلك التعصب الحزبي أمرا جيدا في وقت ما، لكنها غير مجدية الآن، والأهم من ذلك أنها على المدى البعيد سيكون لها تأثير كبير على حرية الرأي. وترسم الرسائل الموجهة إليّ صورة قبيحة ومستقبلا كئيبا لما يمكن أن يكون عليه المستقبل ما لم نسارع إلى تصحيح أنفسنا.

والصورة هي أن أي شخص يجرؤ على التعبير عن رأيه الذي يتعارض مع رأي الحزب سوف يتم إسكاته، ولا يمكن أن تكون أميركا كذلك بالنسبة إلي، أما بالنسبة لشخص مثل ستالين فسيرحب بذلك حتما.

والقراء لديهم الحق في رفض آرائي، لكن عندما نقرر أن ذلك الشخص خائن ويجب أن يموت لمجرد أن له رأيا مختلفا عن رأيك، فإننا بذلك ندخل إلى وضع يضع كل الحريات في خطر. وإنني على يقين من أن ما قامت به إحدى المنظمات المحافظة بإلغاء كلمة كان من المفترض أن ألقيها جاء ردا على المقال الذي كتبته عن بالين، وإنني أتساءل: هل أعاقب على أنني تحدثت بصورة غير صحيحة. لسوء الحظ، فإن تلك هي الطريقة التي يعاقب بها الشخص الذي يضع المبادئ الراسخة قبل الانتماء الحزبي أولا. وربما يكون يوم الحساب قد هل علينا، فما بين الحرب والانهيار الاقتصادي تحديات كبرى، تستلزم بذل الغالي والنفيس من كل فرد فينا لحلها، لكن تلك العملية تستلزم من كل فرد فينا التعهد بالدخول في مناقشات مدنية والتوقف عن الهجوم على الآراء التي لا تتوافق مع بعض الأشخاص. وبتلك الروح ربما لا تكون سارة بالين خائفة في أي مناظرة وتتحدث من عقلها هي.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»