مذكرات ذات حدة

TT

يثير الدكتور أحمد الخطيب ردود فعل مختلفة في الكويت حول مذكراته التي صدر الجزء الأول منها في كتاب (المركز الثقافي العربي)، والثاني في جريدة «الجريدة». ومهما تفاوتت الردود، أو التوضيحات، فإن أصحابها يحرصون على إبداء الاحترام لأول طبيب في الكويت، خرج منها إلى الجامعة الأميركية يوم لا تزال بلدا صغيرا يعيش في شظف داخل السور.

وقد أخذ البعض على الرجل الذي شارك في تأسيس حركة القوميين العرب، مع جورج حبش ووديع حداد، أنه غاص في سياسات الكويت المحلية بدل أن يطلع العرب على دوره، ورفاقه، في مصر والعراق وسواهما. ومن أصحاب هذا الرأي السفير عبد الله بشارة، الذي تناول بدبلوماسية واضحة، ما تعرض له الدكتور الخطيب بلا أي قفازات أو مجاملات. وفي الجزءين، الأول والثاني، بدا الرجل حاداً وشخصانياً وغير مستعد لعقد أي مصالحة أو مهادنة، مع الأموات أو الأحياء. الكلام الطيب للرفاق في الحركة والنقد القاسي للموالاة وأهلها. وبعكس صورة الهدوء السياسي الراسخة في أذهان الناس حول الكويت المستقلة، يصورها الخطيب على أنها بلد صغير يعيش صراعات خفية.

وفي حين ثمة اجماع عند المؤرخين أو شهود المرحلة على أن الشيخ عبد الله السالم هو أب الاستقلال ومؤسس الدولة الحديثة ورائد المؤسسات الدستورية، فإن الخطيب يقدم صورة مغايرة للكويت في الأيام الأخيرة للرجل الكبير. وبصفته الطبيب المشرف على علاج سيد قصر السيف، يتحدث عن مؤامرات لإعفاء الأمير وإبعاده. ويقول إن ثمة من استعجل مراسم الدفن لكي لا يشارك قادة الدول في الجنازة. فلما بدأوا في التوافد كان عليهم أن يهنئوا الخلف، الشيخ صباح السالم، لا أن يعزوا في الأمير الراحل.

وللكويتيين ورجال المرحلة أن يصححوا أو يؤكدوا رواية الخطيب عما حدث. فهو يقول إنه بعد الوفاة بثلاثة أيام، صدرت الأوامر إلى جميع وزارات الدولة ومؤسساتها بإزالة صور عبد الله السالم عن جدران المكاتب، وألغت وزارة الإعلام كل الأغاني الحاملة اسمه، وراح التلفزيون والإذاعة يبثان أغنية جديدة تقول: «راح وقت المزاح لما جانا صباح»، وقد «أثارت هذه الأغنية الوقحة استياء المواطنين المحبين لعبد الله السالم، مما أجبر المسؤولين على التوقف عن إذاعتها».

هل هذا صحيح حقاً؟ هل هو الفصل الأخير من حياة المعارضة التي عاشها أحمد الخطيب رئيساً لكتلة القوميين العرب في مجلس الأمة؟ في أي حال، أثار «الدكتور» الكثير من الفوران في بركة سياسية متحركة جداً. وقد فقد القوميون مقاعدهم في المجلس مع الوقت. وبقيت ذكريات ذات حدة.