هل من واجبنا أن نخاف؟

TT

لو نجونا من حرائق السوق العالمية، سنبقى في رعب بسبب التربص السياسي الذي يوحي بمعارك عديدة مقبلة في منطقتنا، وبالتالي نحن ننتقل من قلق الى خوف؟ ما العمل وكيف نتعلم من الكارثة؟

يفترض من كثرة ما مررنا به أن يكون قد نبت لنا جلد خشن، فنحن نعيش في حي من الأشقياء وعالم مليء بالقراصنة، ولا خيار إلا أن يعتمد المرء على نفسه، وتعتمد الدول على أبنائها، وحسب.

فالخوف ليس حلا، بل مواجهة الواقع ومقارعته. ومن يعمل في السوق، مثل من يشتغل في السياسة، يعرف جيدا ان التنبؤ بالكارثة قد يقود الى الكارثة. فالخوف يغذي السلبية، وهو ما يعرف بنظرية تحقيق نبوءة الذات. كما يقول مثلنا العامي الذي يخاف من العفريت يطلع له. فالاعتقاد أننا مقبلون على حروب يدفع الأنظمة الى شراء المزيد من السلاح، والتدرب عليه، والتخطيط للمعارك، ثم تقع الحرب بسبب هذا التصرف المبني على التصور المسبق. والهلع الذي يصيب الأسواق هو الذي يجرها الى الأسفل، وليس بالضرورة كله من وراء تعطل أدوات السوق.

لا أدري ما الذي علينا أن نتوقعه في المستقبل القريب، حروب؟ أم انهيارات مالية؟ أم بالعكس فرص رائعة تحقق السلام، وربما نجاحات استثمارية. كل واحد من هذه السيناريوهات ممكن، لا أحد يدري ما الذي سيحل بنا، والعالم غدا؟

ويمكن أن نفهم الوضع اليوم عندما نقارنه بما حدث فور ضرب برجي نيويورك في سبتمبر قبل سبع سنوات. فقد أصيبت سوق البورصة في نيويورك بالذعر وتقريبا الانهيار، وصارت للحدث تداعيات اقتصادية فورية. هناك في منطقتنا، من صرح وكتب، معتقدا، رغم إيمانه بأنها جريمة بشعة، أنها بعيدة عنا وستوقظ واشنطن سياسيا لصالح المنطقة. الذي حدث أنها أصابتنا بالضرر أكثر من أي مكان آخر في العالم، عاش العرب، وحتى المسلمون البعيدون جدا، سلسلة أزمات، وأخطار، حتى هذا اليوم.

طبعا لا ذنب لنا في ما يجري في أسواق العالم، ومع أننا في ذيل طابور الاقتصاد فإن ثمنه علينا قد يكون باهظا، خاصة على الدول العربية التي خطت بضع خطوات الى الإمام في الإصلاح الاقتصادي والسياسي، قد تتضرر أكثر من الدول التي لم تفعل شيئا. وهنا أعجبني ما علق به احدهم في صحيفة «الثورة» السورية الذي كتب: «تخلف أنظمتنا المالية كان له الأثر في عدم تأثرنا». وهذا صحيح بالنسبة للدول التي لم تطور أوضاعها، فهي لا تملك مكتسبات حتى تخاف عليها.

الجانب الإيجابي أن الأزمة المالية قد توقظ العقول الحكومية في دولنا فتجتهد أكثر لإصلاح أوضاعها. عليها أن تتعلم من الغرب لا أن تتفرج عليه فقط، فهو حتى إن انهارت أسواقه، كما انهارت من قبل بعد الحرب العالمية الأولى ألمانيا، وأصاب الكساد الدول المنتصرة أيضا، عادت جميعها ووقفت على أقدامها قوية لسبب واحد فقط، ليس أرصدتها أو جيوشها، بل بسبب مخزونها البشري المؤهل. الخلاص من الأزمات الخطيرة يكمن في الإنسان الفرد، وليس في النفط أو البنوك. ولو تكرمت حكوماتنا بالمزيد من التفكير، والمال، والوقت، والشجاعة، لإصلاح النظام التعليمي فإنها ستبني بلدانا غير قابلة للانهيار مهما عصفت بها الحروب وهزتها زلازل الأسواق. بأبنائها المؤهلين تستطيع أن تقف بعد كل أزمة وتبدأ البناء من جديد، ما عدا ذلك يتبخر كله من مبان ومشاريع وأموال.

لنجعل من هذه الأزمة محطة للتأمل والتصحيح.

[email protected]