الحكواتي

TT

بعد حصول نجيب محفوظ على نوبل الآداب، بدأت ظاهرة جديدة في عالم النشر. لم يبدأ الغرب فقط بترجمة كافة أعمال حكواتي مصر العظيم، بل بدأ يترجم سيلا من المؤلفين العرب والشرقيين الآخرين. كما بدأ يرحب، أو يقبل، على نطاق واسع، الكتاب المهاجرين الذين يكتبون بلغات غربية: إنجليزية، فرنسية، إسبانية وسواها.

لم يحصل ذلك بعد، لكن قد تضيف المكتبات الكبرى في نيويورك ولندن قريبا إلى أجنحتها العادية، جناحا خاصا بالأدباء ذوي الأسماء الغريبة الذين يكتبون بلغات غربية.

تقوم ضجة أدبية اليوم في الولايات المتحدة حول كتاب جديد للروائي اللبناني ربيع علم الدين. ويبدو أن «اختصاص» ربيع هو حرب لبنان التي غادرها في ذروتها لكنها تركت في نفسه ندوبا عميقة وحركت فيه موهبة أدبية، أو قصصية. وقد تجنبت الكتابة عن ربيع في بداياته، لأنني صاحب ذائقة أدبية رجعية لا تقر بجماليات الأدب الملعون أو الأدب اللعين، مع أن العصر عصرها في أوروبا، وأنا أنتمي إلى عصر آخر، أقصى ما يقبل به هو: قالت الكبرى، قالت الصغرى، قال ابن أبي ربيعة. في كتابه الجديد «الحكواتي» يلعب ربيع علم الدين لعبة أمين معلوف في التوليف. يعود إلى أنفاق الشرق وأقبيته العتيقة لينقل منها الحكايات الغابرة ويقدمها إلى القارئ الحديث. وكما فعل غيره من قبل يتوقف طويلا عند أطباق الشهد في «ألف ليلة وليلة» التي غرف من عالمها المثير، ولكن على طريقته الوحيدة، الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس.

على أن التوليف القصصي عند ربيع علم الدين يفيد من تجاربه ومن معرفته الواسعة بالتاريخ العربي ومن تأمله لتاريخ لبنان الحديث. وفي هذا التوليف يلازمنا الظاهر بيبرس كما يلازمنا «بطل» الرواية أسامة الخراط. واختيار اسم العائلة ليس صدفة بالتأكيد. فالمؤلف يريدنا أن ندرك قبل الدخول في معمعات الرواية، أنها فانتازيا تترنح بين الواقع والخيال، لأن الأول صعب والثاني جميل، وما «الحكواتي» أو «الخراط» أو «الفشار» كما يسميه المصريون، سوى وسيلة سهلة للدخول إلى عالم والخروج منه، دون أن تدقق في هوية الخراط وأوراقه الثبوتية. هذا هو عالمه، وعالمه مختلط عليه في الأساس، فكيف يشرحه لك. كيف؟

يأتي ربيع علم الدين (48 عاما) من عائلة درزية محافظة عرفتها في الكويت، حيث عاش جزءا من يفاعه. وقد غادر بيروت وحربها وهو في السابعة عشرة من العمر. وصدر كتابه عن «كنوبف» إحدى أهم الدور الأميركية وناشر جبران خليل جبران.