وكان أول صحفي سعودي عرفته!

TT

قرأت النعي البليغ الذي كتبه الأستاذ حسين شبكشى، صديقي وابن صديقي عن الأديب عبد الله الجفري. وعلاقتى بالجفري قديمة جدا. ربما منذ بدايته الصحفية، ففي الستينات كانت لي أول عمرة وفوجئت باثنين من الشبان الصغار أول صحفيين سعوديين: عبد الله جفري وعبد الله باجبير. ورأيت في حماسهما وكثرة الأسئلة والحرص على أن يعرفا وأن يلما بكل شيء ولأنهما صحفيان سوف يكون لهما شأن..

وكان لهما شأن. وكانت صداقة قوية مع عبد الله جفري. فأنا أول من كتب له مقدمة كتابه الأول. ثم قدمته للقارئ المصري واستكتبته في معظم المجلات التي رأست تحريرها. وإذا ذهبت إلى السعودية فلا بد من لقائه. وكان يلقى عظيم الاحترام من مواطنيه ومن قرائه أيضا.

وكانت بيننا فجوة وغضبة. وأدهشني أن يبدأ بالهجوم عليّّ وكان أسلوبه في الهجوم أقرب إلى الشتيمة وأذهلني ذلك. فأنا أكتب عن مصر وأدافع عن قراراتها. هذا واجبي. ولم أكن صحفيا ولا كاتبا يقرأ ويسمع ويكتب، وإنما كنت طرفا هاما في عملية السلام.

وعندما ذهب وفد برلماني إلى إسرائيل والتقوا بالرئيس إسحاق نافون فسأل ولماذا لم أحضر. فقالوا إنه في اليابان. وقال: يوم يكتب التاريخ سوف تعرفون كم هو خطير الدور الذي لعبه لبلاده في عملية السلام!

وقد جمعنا الشاعر الأمير خالد الفيصل وقال: من أجل الخلاف بينكما. وضحكنا. ولم أسأله ماذا يقصد. ولكن انتهى. ورأيت أن هذا هو أقصى ما عندي وما عنده وشغلتنا الدنيا.

وكان عبد الله جفري يحب المدرسة اللبنانية في التعبير. فله تعبيرات وتراكيب مبتكرة. وبقدر ما هي مبتكرة هي غامضة. ولكنه ضحى بالوضوح من أجل هذه التعبيرات. فكانت له تهاويم جعلته غامضا ضبابيا واستراح إلى هذا النوع من التعبير وكان يوقع باسم: عبد الله جفري... ولما صار مشهورا كان يوقع عبد الله الجفري. فقلت: يا عبد الله أنت تعمل العكس.. عندما لا يعرفك الناس تقول: جفري وعندما يعرفونك تقول (الجفري)!

وهذه صورة من قلق يساوره دائما. واختار عبد الله أن يموت قبل الأوان فانزوى وانطوى وانفرد به المرض وثقل عليه ـ يرحمه الله!