أفغانستان قبل الانتخابات: الأميركيون مع كارزاي والإنكليز ضده!

TT

لأول مرة يوم الاثنين الماضي اجتمع كبار مسؤولي الأطلسي مع سفير أفغانستان الى بروكسل وسفراء دول وسط آسيا الخمس المنتدبين الى الحلف، إذ كانت كل الاجتماعات السابقة تدور بين لجان. والتقى الجميع على وجود مصلحة مشتركة لنجاح أفغانستان، ومصلحة أن تكون هناك ترتيبات لنقاط عبور مرنة على الحدود المشتركة، بحيث يمكن للأطلسي أن يحرك الدعم اللوجستي من وإلى أفغانستان بطريقة سهلة. وأكد الطرف الأطلسي انه يعتمد على خدمات هذه الدول لمنع تدفق السلاح والمال الى «طالبان» وداخل أفغانستان، مع التأكيد على ان المشكلة الكبرى تكمن في باكستان، لأن للدول المحيطة بأفغانستان خبرة أعمق في المنطقة من حيث اللغة والعادات والثقافات والعلاقات. كما عرض الطرف الأطلسي مشروعه الاقتصادي الإقليمي الكبير بشق طرقات على الحدود تصل الدول بعضها ببعض لتسهيل التجارة، والاستفادة من المحطة الكهربائية التي تبنيها ألمانيا في أفغانستان وأوزبكستان. وكان لوحظ تغيير في الخطاب السياسي تجاه افغانستان، فقد اعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس انه لا مانع من التفاوض مع «طالبان» لإنهاء الحرب، ويبدو السبب في هذا أن الرئيس الأفغاني حامد كارزاي لا يتمتع بدعم الزعماء المحليين، ويعرف انه كي يعاد انتخابه، فانه يحتاج الى دعم قوي من هؤلاء، لهذا رأى من الضروري الدعوة الى المصالحة. لكن، هناك كثيرون في الحكومة يعرفون أن «طالبان» غير راغبين في الحوار مع الحكومة، وكل همهم تدمير أفغانستان.

حالياً، وتكتيكياً كارزاي لا ينظر الى هذا الفرق لأنه لا يريد استبعاد «الباشتون»، ويريد ان يبدو انه يميل الى المصالحة، انما مع الوقت يترك المتشددين من «طالبان» و«القاعدة» خارج اللعبة.

ليس أكيداً ما إذا كان هذا التكتيك سيُحدث تغييراً جذرياً، إذ ان «طالبان» يشعرون اليوم بأنهم يحققون تقدماً ونصراً، وهذا يعني انهم لن يفاوضوا. لذلك يشعر كبار المسؤولين في الأطلسي بالحاجة الى مزيد من القوة العسكرية لمواجهة «طالبان» واستغلال فصل الشتاء القريب عندما تصعب العمليات العسكرية، لبناء تعاون اعمق مع الزعماء المحليين في كل المناطق الافغانية، حتى اذا ما جاء فصل الربيع تكون أسس التعاون ثابتة وتجري الانتخابات عندها بطريقة آمنة وطبيعية، لكن حتى الآن لا يزال هذا التفكير في بداية خطوات التطبيق.

وكانت مذكرة ديبلوماسية تم تسريبها عن لسان السفير البريطاني في كابول يتوقع ان يخسر الحلف الأطلسي الحرب ضد «طالبان»، واتبع ذلك تصريح للقائد العسكري البريطاني في افغانستان الجنرال مارك كارلتون ـ سميث يتوقع النتيجة ذاتها، وعبّّر عدد من العسكريين الأميركيين هناك عن وجهة النظر نفسها، فهل هناك خلاف بين واشنطن ولندن وكأن الأخيرة تفكر باستراتيجية الخروج من افغانستان؟ يوضح لي مصدر أميركي في مقر الحلف الأطلسي في بروكسل، «ان محادثات مطولة تجري بين واشنطن ولندن حول أفغانستان، وان البريطانيين يقلقهم ان كارزاي لا يتمتع بدعم سياسي كبير، كما انه ليس بصاحب القرارات الحاسمة، ويرفض المشاركة في السلطة كما انه لا يصغي لمستشاريه. هم لا يثقون بكارزاي». ويضيف: «نحن لسنا على هذا الموقف المتشدد من كارزاي، لأنه انطلاقاً من الوضع السياسي في افغانستان فانه قادر على جمع المتنافسين، قد لا يكون ادارياً بارعاً انما نفضل مساعدته لتحسين ادائه». وحول استراتيجية الخروج، يصف محدثي بأن ما قاله الجنرال البريطاني، هو نفس ما يردده الاميركيون، «انما قالها بطريقة مراوغة اذ نعرف انه لا حل سياسياً في افغانستان، ولا يمكن هزم كل الاطراف المقاتلة حتى يستقر الوضع في افغانستان، بل نحتاج الى خطة بعيدة المدى بحيث تتحول الاستراتيجية المتبعة من التحرك الدولي العسكري المتشدد الى القيادة الافغانية مع بعد مدني، انما هذا لن يتحقق بسرعة».

ويضيف: «لن نصل الى اي مفترق بحيث يمكننا القول: اننا انتصرنا».

وأقول له: لكن البريطانيين يعطون انفسهم عشر سنوات قبل الانسحاب! ويجيب المصدر الاميركي «ان الامر يحتاج الى سنوات أطول». ثم اسأل: إنما لم يتوقف البريطانيون عند الجانب العسكري، فهم يلومون كارزاي على تفشي الفساد، كما ان حكومته فقدت ثقة الأفغان. ويوافق محدثي على هاتين المسألتين، لكنه يتساءل عن البديل، لذلك يفضل الطرف الاميركي مساعدته على تغيير طريقة حكمه، وتتجنب واشنطن التركيز على مسألة كارزاي كي لا تفقد الاهتمام بـ«المشكلة الكبرى، باكستان، حيث المنطقة الشمالية القريبة منها بعيدة عن سيطرة ونفوذ اي حكومة في اسلام آباد، وتلك المنطقة يستعملها «طالبان» و«القاعدة» بحرية مطلقة». ويضيف، ان الحكومة الباكستانية غير راضية عن ذلك، لكنها غير قادرة بمفردها على عمل أي شيء، «لذلك، تقوم القوات الأميركية بعمليات احادية عبر الحدود بين افغانستان وباكستان، وتحاول واشنطن مساعدة الباكستانيين». ويعترف محدثي الاميركي في مقر الحلف الأطلسي في بروكسل، بأنه ليس لديهم جواباً كافياً حول تثبيت الوضع في باكستان، اذ يقومون بعدة امور ولا يعرفون ان كانت كافية. يقول: «اننا ندعم السلطة المدنية في باكستان، ونعرف ان خطر «القاعدة» و«طالبان» هو الأكبر عليها. ندعم المؤسسة العسكرية في باكستان التي تحاول ان تبني قدرة كفوءة لمواجهة هذا الخطر، خصوصاً ان الجيش الباكستاني مدرب فقط على محاربة الهند، ونحاول أن نلفتهم الى أن الهند ليست المشكلة الرئيسية بل عليهم التركيز على المقاتلين، ونحاول القيام بمشاريع بناء في المناطق المضطربة على طرفي الحدود وبالذات لجهة باكستان، وقد اقنعنا القيادتين في كابول وإسلام آباد على التحدث مع بعضهما البعض ويبدو أننا نجحنا في هذا، كما نجحنا في إقناع الزعماء المحليين على طرفي الحدود للتحاور مع بعضهم».

في هذه الأثناء تحاول واشنطن تقوية القدرات الافغانية على الحدود مع باكستان كي تقوم هي بالمراقبة والحفاظ على نقاط العبور، كما تحاول زيادة عدد القوات الدولية في جنوب شرق أفغانستان، «ان الاستراتيجية التي نعتمدها: نظّف المنطقة وسيطر عليهم ثم ابدأ عملية البناء، لكننا اكتشفنا اننا نفشل في السيطرة على المنطقة، لذلك نحتاج الى المزيد من القوات لنشرها في المناطق كي يتسنى لنا البناء». وأقول: «ذكرت الأنباء ان وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس فشل الأسبوع الماضي في مهمته الأوروبية في إقناع الدول الأطلسية وغير المنضوية تحت جناح الحلف في دعم الحملة الأميركية في أفغانستان، وينفي محدثي هذا الأمر، انما يوضح ان وزير الدفاع الاميركي وعد بزيادة عدد القوات الأميركية وأراد ان يوازي الأوروبيون العدد نفسه». لقد قدم غيتس اقتراحه قبل رحيل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، لكن الأوروبيين سينتظرون الإدارة الجديدة ليقرروا العدد، ولن يحدث هذا قبل شهر آب (اغسطس) من العام المقبل.

في هذه الاثناء عدّلت القوات الأطلسية في أفغانستان من القواعد التي تتبعها بحيث صارت قادرة على ملاحقة مهربي المخدرات وشن غارات على مختبرات صناعة الأفيون، ذلك ان «طالبان» و«القاعدة» يحصلون سنويا ما بين 80 و100 مليون دولار من عائدات التهريب حيث تباع تلك المخدرات في شوارع اوروبا، وايران وروسيا، لأن زراعة المخدرات مركزة في الجنوب والسيطرة هناك لـ«طالبان». وأسأل محدثي عما اذا كانت ايران عقبة في أفغانستان، فيجيب: «ان لها الأهداف نفسها من حيث منع تهريب المخدرات، كما انها لا تريد ان يتسلل «طالبان» الى أراضيها، لكن من ناحية اخرى هي نشطة في الجزء الغربي لأفغانستان حيث اللغة الفارسية، فهناك تتولى ايران دفع المال للمسؤولين المحليين وتدير كل الشؤون المحلية، ايران لا تحب «طالبان» انما لديها وسائل اتصال معهم، وتجد الحكومة الأفغانية صعوبة في ايجاد اذناً صاغية لدى طهران، لكن يحاول الايطاليون المنتشرون في غرب افغانستان المحافظة على علاقات جيدة مع ايران، وينسقون مع الحكومة المركزية في كابول للإبقاء على المنطقة هادئة وبعيدة عن عمليات العنف».

في النهاية يرى محدثي أن تمرد «طالبان» قد يتجه في واحد من أربعة اتجاهات:

1 ـ يمكن أن يصبح أقوى ويشكل خطراً على أفغانستان.

2 ـ يمكن أن تضيق عليه المجالات أكثر في أفغانستان ويتجه الى باكستان.

3 ـ يمكن إضعافه بجهود مشتركة دولية وأفغانية وباكستانية، ويزداد ضعفاً مع الوقت.

4 ـ يمكن أن يزداد قوة ليهدد الدولتين أفغانستان وباكستان.

ويقول: «قد تكون باكستان الآن أكثر صلابة من أن تهزها عمليات «طالبان» و«القاعدة»، إنما الفوضى ستنتشر، إنها مشكلة كبيرة، وإذا نجحنا أكثر في أفغانستان قد يؤثر هذا سلباً على باكستان».