شكراً للجميع

TT

ندين جميعاً بالشكر أنصار التيارات السياسية والشعبيين، جنود كل من اليمين واليسار المتطرف، ومن لا يدرون شيئاً ومن يعلمون كل شيء، وأنصار مبدأ إعادة توزيع الثروات والعناصر المحافظة المتمسكة بحرية السوق، وجميع المتشككين الذين رفضوا القبول بخطة الإنقاذ المالي التي صاغتها إدارة بوش وتبلغ تكلفتها 700 مليار دولار، حتى نتفهم ما الذي نقوم به ولماذا.

نظراً لأن إمكانية انهيار وول ستريت ما تزال قائمة بقوة، ونظراً لأنه لم تتوافر لدى أي شخص فكرة أفضل، ينبغي أن نمضي قدماً في تنفيذ خطة الإنقاذ المالي. من المحتمل أن تتمكن هذه الخطة من إنقاذ منازل ومصدر رزق ملايين الأميركيين، لكنها ستقوم بذلك من خلال إعفاء بعض أكثر مواطنينا ثراءً من عواقب قصر نظرهم وانعدام أمانتهم وجشعهم.

لقد كان الجميع على علم بأننا نشهد فقاعة بمجال الإسكان، فعبر مختلف أنحاء البلاد، كانت أسعار العقارات ترتفع بسرعة بالغة لدرجة أن أي شخص كان يفكر في شراء منزل لم يجد أمامه سوى خيار واحد منطقي: أن يقوم بالشراء على الفور. وأي شخص كان يمتلك منزلاً بالفعل، خاصة داخل واحدة من الأسواق الرائجة بصورة خاصة، كان يبني لنفسه قيمة عقارية ـ أو ما بدا وكأنه قيمة عقارية ـ بسرعة بالغة لدرجة انه لم تبد أمامه أدنى مشكلة في اقتراض المال، حتى ولو كان من أجل شراء كماليات، نظراً لأن قيمة العقار كانت في تزايد مستمر. لقد غمر المال الرخيص البلاد بأكملها، وكل شخص امتلك منزلاً كان في طريقه نحو الثراء.

وطالما استمرت أسعار المنازل في الارتفاع، كان كل شيء على ما يرام، حيث كان باستطاعة أي شخص من ملاك المنازل كان يعاني من مشكلة مع الرهون العقارية الحصول على تمويل جديد واستعادة قوته المالية.

وقد كان التجار الذين ابتكروا وباعوا وأعادوا بيع تلك السندات المدعومة بالرهن العقاري وجنوا الكثير من الأرباح والعمولات عن كل صفقة بيع، على علم بأن الذين يدخلون ويخرجون من السوق أثناء ارتفاعه سيحصدون الكثير من المال، وأنه عندما تتراجع الأسعار سيبقى البعض ليتحملوا عواقب ذلك.

ولكي تتعرفوا، قراءنا الأعزاء، على هؤلاء الأشخاص، ليس عليكم سوى النظر إلى المرآة.

وللأسف، ترك وول ستريت تتحمل تبعات الفوضى التي خلقتها لا يعد خياراً قائماً، ذلك أنه بالفعل باتت أكبر شركة تأمين على مستوى البلاد وأكبر مؤسسة للمدخرات والقروض والكثير من المصارف الاستثمارية الكبرى في وول ستريت وشركتي الرهن العقاري العملاقتين «فاني ماي» و«فريدي ماك» إما ترزح تحت وطأة مشكلات جمة أو تم بيعها أو تأميمها. وفي الوقت ذاته، تعاني المصارف التجارية من أزمة شديدة. لذا، يجب أن يتدخل أحد لجعل الاعتمادات تتدفق من جديد عبر جنبات الاقتصاد، والمؤسسة الكبرى القادرة على القيام بهذه المهمة هي الحكومة الفيدرالية. ورغم أنه ربما تكون هناك حلول أخرى أكثر فعالية عن تلك التي اقترحها وزير الخزانة، هنري بولسون، فإنني على قناعة بأن من غير الحكمة إهدار المزيد من الوقت في البحث عن حل أفضل ـ وأن أي حال آخر لن يقل في تكلفته عن الحل المقترح من وزارة الخزانة.

وبإمكان الكونغرس أن يطلق على هذا المقترح خطة إنقاذ، ويشيد بها مثلما يحلو له، لكن تبقى الحقيقة أن تلك تعد بمثابة إسعاف مالي سيسمح لوول ستريت بالنجاة من المأزق الراهن بدون عقاب. وفي نهاية الأمر ورغم بعض القيود التي تم فرضها على التعويضات والعبارات الطنانة حول الرقابة والإشراف، لا تمثل هذه الخطة سوى انتكاسة مؤقتة للفكر الجشع السائد في وول ستريت الذي خلق هذا الموقف البشع الذي نجابهه الآن.

والتساؤلات التي تفرض نفسها علينا الآن هي: هل نهتم حقاً كأمة بأمر ملاك المنازل الذين أقدموا على شراء عدد من المنازل تزيد تكلفتها عما يستطيعون توفيره لأن ذلك كان السبيل الوحيد أمامهم كي لا يخرجوا من نطاق الطبقة الوسطى؟ هل نهتم بمسألة أن النفقات الطبية لـ 46 مليون شخص غير مؤمن عليهم تعد سبباً رئيساً للإفلاس؟ هل نهتم بأن مسألة توزيع الثروات تتردى يوماً بعد يوم وأننا ننزلق بسرعة باتجاه التحول ليس إلا أمة مؤلفة ممن يمتلكون المال ومن لا يمتلكونه، وإنما إلى أمة ممن يمتلكون المال ومن لن يمتلكونه في حياتهم قط؟

لقد أصبحت كلمة «الإصلاح» شائعة الاستخدام فجأة داخل واشنطن. وكي تصبح هذه الكلمة ذات معنى حقيقي، على الكونغرس والرئيس الجديد بذل قدر بالغ من الجهود.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»