لبنان يدخل مرحلة راحة لا الطمأنينة المصيرية

TT

لأول مرة منذ سنوات سوف يعيّد اللبنانيون في جو من الانفراج والامل وان كان لا يصل الى الاطمئنان الكامل والثقة القوية بالمستقبل. ولكن بالمقارنة بين ما كانت عليه البلاد في السنتين الاخيرتين. وما كادت تصل اليه الأمور منذ ستة اشهر وبين الوضع التصالحي الراهن لا يستطيع الانسان اللبناني الا ان يشعر بالارتياح.

ذلك ان ما سمي بموسم «المصالحات» قائم على قدم وساق ومتقدم في كل الاتجاهات وهي مصالحات وان لم يصل المتصالحون فيها الى البحث والاتفاق على الامور الخلافية الجوهرية بينهم اتسمت بايجابية وجدية تتعدى ما يسمى في السياسة اللبنانية بـ «تبويس اللحى» أي المظاهر والشكليات.

واهم من الخطاب الهادئ اللهجة الذي حل عند المتصالحين او المتجهين نحو المصالحة، محل الخطاب التشنجي والتحديات الكلامية كان هذا الاتفاق على نزع صور الزعماء السياسيين واليافطات الحاملة للشعارات الحزبية من شوارع العاصمة والتي كانت تشكل سببا من اهم اسباب التحدي والنزاع بين انصار هذا الفريق السياسي ـ او الطائفي او المذهبي ـ او ذاك. ولا شك في ان رئيس الجمهورية ميشال سليمان في منعه تعليق صوره في الشوارع والساحات اعطى للسياسيين والاحزاب المثل الصالح.

ان هذا الجو السياسي او المناخ الوطني الجديد الذي راح فجره ينبلج في لبنان فاجأ الكثيرين، ولكنه لم يفاجئ المراقبين السياسيين. فبالرغم من اتفاق الدوحة على انتخاب رئيس الجمهورية وتأليف حكومة ائتلاف واقامة حوار حول الاستراتيجية الدفاعية ما كانت هذه الخطوات التصالحية لتتم لو لم يطرأ على الاوضاع الاقليمية وعلاقة الدول الكبرى بها شيء او اشياء جديدة ولا سيما بالنسبة لايران وسوريا وتوازنات القوى في المنطقة وانعكاس هذه التحولات على النزاعات السياسية في لبنان.

فليس بسر ان التجاذبات والنزاعات بين الدول والقوى السياسية الشرقأوسطية تؤثر مباشرة وبشكل قوي في التجاذبات والنزاعات السياسية اللبنانية. ومن هنا يبرز سؤال هام: هل ان «حلحلة» الأمور في لبنان واتجاه الافرقاء المتنازعين فيه نحو المصالحة والمهادنة وربما الائتلاف الحقيقي حول برنامج وطني ـ دفاعي ـ اصلاحي مشترك هي نتيجة لتطور الاوضاع الشرقأوسطية باتجاه الركود والحوار والاتفاقات السياسية؟ ام انها تعني بداية انفصال «المسألة اللبنانية» عن «مسائل» الشرق الأوسط؟ وهل ان هذا الانفصال او الفصل جاء نتيجة الانفتاح السوري على الغرب ولتطور نوعي في الحلف السوري ـ الايراني؟ ان كسر العزلة السورية عن الغرب جاء على يد الرئيس الفرنسي ساركوزي، ولكنه من المعروف والثابت ان الرئيس الفرنسي الجديد ينسق سياسته الخارجية مع الولايات المتحدة مع الاحتفاظ بحرية واسعة للتحرك واخذ المبادرة. ولكن أياً كان الهدف القريب او البعيد من الانفتاح السوري على الغرب، فمن الواضح ان مسيرة المصالحة والاستقرار في لبنان، ما كانت لتتقدم (رغم المطبات العنفية التي تتعرض لها) لو ان دمشق كانت مصممة على احباطها.

ان المعيار الحقيقي لجدية المصالحات وايجابية نتائجها، هي طاولة الحوار والانتخابات النيابية القادمة بعد سبعة اشهر، فلئن اتفق المحاورون على ما سمى بـ «الاستراتيجية الدفاعية» سقطت العقبة الاولى والكبرى في وجه ممارسة النظام الديموقراطي اللبناني. اما اذا سلم الجميع بنتائج الانتخابات النيابية القادمة ايا كانت سقطت العقبة الكبرى الثانية وجاز القول بان لبنان دخل في عهد ميثاقي ـ دستوري جديد.

الا ان العالم ومنطقة الشرق الأوسط معه سيشهدان في الاشهر السبعة القادمة احداثا وتحولات هامة وخطيرة: منها تداعيات الأزمة المالية الاميركية على الاقتصاد العالمي والتغيير المنتظر للاستراتيجية الأميركية، على يد الرئيس الأميركي الجديد، وتطور الحرب الباردة الجديدة بين موسكو والغرب، ناهيك بتطور الحرب على الإرهاب وانتقال ساحتها الأساسية من العراق إلى الحدود الباكستانية ـ الأفغانية. وبتقدم أو تعثر مساعي السلام بين اسرائيل والفلسطينيين والسوريين.

هل سيبقى الوضع اللبناني معلقا أو متأرجحا، بانتظار فرص تاريخية سانحة، فوق هذه التحولات والنزاعات الاقليمية والدولية الراهنة؟ أم ان القيادات اللبنانية باتت لسبب أو لآخر، مقتنعة بالابتعاد عنها، وترجيح الأولويات الوطنية عليها؟ هذا ما سوف تتكشف عنه، هذه المصالحات الصغيرة والمصالحة الحقيقية، حول طاولة الحوار، وقبل وبعد الانتخابات النيابية.

والى أن تتم هذه الاستحقاقات، فإن اللبنانيين قد يشعرون بالراحة والأمل. اما الاطمئنان الى المصير، فله شروط أخرى.