كل واحد يخلي باله من «لغاليغو»

TT

أصدرت السلطات المحلية المسؤولة في حلب، ثاني أكبر المدن السورية، قرارا بشن حملة مركزة للقضاء على ظاهرة الكلاب الشاردة في المدينة، وعرضت مكافأة مالية قيمتها 200 ليرة سورية (ما يعادل الأربعة دولارات أمريكية تقريبا) مقابل كل كلب «شارد» يتم القضاء عليه، ولتأكيد نجاح المتقدم للمكافأة المالية كان عليه تقديم «ذيل» الكلب كدليل دامغ وذلك من أجل نيل المقابل المادي، وقد أوضحت مصادر مقربة من هذه السلطات أن كل عضة كلب تكلف الحكومة 30 ألف ليرة سورية، وكان عادة يتم قتل هذه الكلاب الشاردة بواسطة «خلطة» خاصة من العظام ورقاب الدجاج مع سموم خاصة. وذكرني هذا الخبر بالإجراءات «اللطيفة» التي كان يتخذها صدام حسين في العراق بحق كل من يهرب من التجنيد، ولعل أهمها هي «قطع» أذن من يفعل ذلك. بالرغم من أن هذه النوعية من القرارات تقع في خانة المضحك ـ الغريب إلا أنها تعكس نهجا حقيقيا للعقلية التي تصدر منها القرارات والآراء الكبيرة. ولا تصدر هذه النوعية من القرارات إلا في ظل جو قاتم يتحول فيه الناس إلى قطيع مسير على أقل تقدير. ولكن لا شك أن هذه العقلية الطاغية تتطلب جرأة لإصدار بعض التصريحات لتأييد سياساتها. ففي خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة تصدر إحدى الصحف في إحدى الدول العربية الثورية لتقول «إن تخلفنا الاقتصادي هو الذي أنقذ أسواقنا من الدمار العالمي»، وطبعا لحق هذا التصريح التمجيد والتهليل والتبريك لهذه «الرؤية السياسية الثاقبة» و«الرؤية السابقة لزمانها» وغيرها من الديباجات المفخمة والمضللة في آن واحد.. تروى نكتة معروفة عن إحدى الدول الثورية أيضا أنه ُوجد أحد الأشخاص يركض بعنف تجاه الحدود وحينما استوقفه أحد الأشخاص وسأله: «لماذا تركض ومم تهرب»؟ فقال له: «ألم تسمع؟ صدر قرار جديد يقضي بإعدام كل من له ثلاث أعين!» فأجابه الشخص الآخر «ولماذا أنت قلق وخائف؟ أنت لك عينان فقط!» فتنهد الرجل وقال «آه، المشكلة أنهم يخلعون الأعين ومن ثم يعدونها!». إنها «نكتة سوداء» تحاكي الواقع الأليم الذي مرّ به العالم نتاج القرارات العشوائية، يستيقظ أحدهم صباحا فيقرر تأميم البلاد (هيك!) ويقرر إصدار حكم الإعدام لمن يغير العملة الصعبة (نعم هذا صحيح في أكثر من بلد عربي كان فيها حكام من هذا النوع) أو السجن لمن يرتدي النظارات الطبية. مشاهد حزينة من سيرك الطغيان السياسي. يستيقظ المواطن صباحه ولا يعرف من أين سيأتيه الكف ليكدر يومه ويعكر حياته. لا مرجعية ولا مساءلة ولا محاسبة، فالقرار «شخصي» بحت وبحسب الميول والأهواء دون مراعاة دقيقة لآثاره ونتائجه على الجميع. فالمخطئ قد يكون شخصا أو حالة فردية استثنائية، وبدلا من التعامل معها على أنها كذلك يصدر قرار عام ليضر الكل بدون استثناء.

[email protected]