من كان منكم بلا خطيئة..

TT

لافت أن تكون الطائفة التي توصي تعاليمها المؤمنين أن يديروا خدهم الأيمن لمن صفعهم على خدهم الأيسر هي الطائفة اللبنانية الوحيدة التي يرفض أبناؤها التسامح مع بعضهم البعض والسير قدما في نهج المصالحات السياسية الدارج هذه الأيام في لبنان.

قد تكون تلك الظاهرة أفضل دليل على أن السياسة في لبنان لا دين لها. ولكن الأخطر من ذلك أن تكون دليلا على أن القرار السياسي للطائفة التي اعتبرت يوما أن لبنان كتب لها لم يعد بأيدي ابنائها.

رحم الله ميشال شيحا. يوم فلسف وجود لبنان، «بلد الحلم والواقع»، حول صيغة ديمقراطية يكون البرلمان فيها «مركز التقاء وتوحيد للطوائف» لم يرد في باله أن الطائفة الاكثر حاجة «للالتقاء» ستكون الطائفة المارونية بالذات، أي العمود الفقري للبنان الكيان.

إلا أن المفارقة الواجب تسجيلها على هذا الصعيد أن الطائفة المارونية التي تتهم الآخرين بـ«تهميشها» لم تعد تشعر بأي حرج في إدامة هذا التهميش ـ إن صح وجوده دستوريا ـ عبر خلافاتها الداخلية.

ولكن، أيجوز لمن علّم الانسان التسامح ألا يتسامح مع نفسه ويصفح عن الماضي ؟

وهل يعقل لمن ابتدع «الاعتراف» كمخرج إيماني من خطايا الماضي ومدخل نفسي الى رحاب التوبة الواسعة أن يعجز عن فتح صفحة جديدة بين ابنائه، حتى بعد اعتراف أحد القياديين المسيحيين بالتجاوزات التي ارتكبها تنظيمه المسلح إبان الحرب الاهلية اللبنانية واعتذاره عنها علنا، علما بأنه لم يكن المبادر الأول بين قادة ميليشيات حرب لبنان الى الاعتذار من اللبنانيين بعد ان سبقه إلى هذه اللفتة الشجاعة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

جل من لا يخطئ.. وكلهم أخطأوا، وليس أقلهم خصمه المحلي ميشال عون.

من هذا المنطلق يجوز تذكير من يعتبر قائد «القوات اللبنانية»، سمير جعجع، «العاشق» الوحيد في الحرب اللبنانية لتلقى تبعات الحرب كلها على كتفيه بمقولة الناصري الشهيرة عن مريم المجدلية: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».

اللهم ليس دفاعا عن سمير جعجع ـ وبلدتي في جبل لبنان عانت الأمرين من احتلال «القوات اللبنانية» لها خلال الحرب اللبنانية العبثية ـ ولكن دفاعا عن حق اللبنانيين أجمعين، لا الموارنة فحسب، في ممارسة تلك الفضيلة ـ المأثرة: فضيلة العودة عن الخطأ.

في هذا السياق كان الأجدر بالزعامات المارونية أن تكون هي المبادرة إلى إطلاق المصالحات السياسية في لبنان من أن تكون آخر من يتبناها.. فكم بالحري وضع الشروط التعجيزية لتحقيقها ؟

ومع التسليم بأن ما سمي «مصالحات» لا يخرج عن مفهوم «تبويس اللحى» لشراء الوقت ـ ربما بانتظار تصفية لاحقة للحسابات العالقة أو نسيان ينسجه الزمان على ذاكرة الأحياء من جيل الحرب الاهلية ـ فإن عملية شراء الوقت أصبحت مطلوبة، بحد ذاتها، لتوفير المزيد من الفرص لترسيخ الاستقرار الأمني ولإفساح مجال أرحب لعودة دولة المؤسسات.. وقبل هذا وذاك لبلوغ مرحلة الانتخابات النيابية (الربيع المقبل) ولبنان يعيش أجواء طبيعية تسمح بإجراء الانتخابات بعيدا عن ضغوط التهويل وقرقعة السلاح.

وهنا بيت القصيد: هل ستسدل الانتخابات اللبنانية المقبلة الستار على «الكيدية» التي أفرزتها «حرب الالغاء» المسيحية ـ المسيحية، أم انها ستنقل متاريسها الى داخل المجلس النيابي؟

ربما كانت الاجابة على هذا السؤال ممكنة لو لم تكن «الكيدية» قد أوصلت بعض الزعامات المارونية الى تحالفات سياسية تتأثر بتوجهات إقليمية، ما يسمح بتوقع ان تنتج تحالفاتها الانتخابية مع حلفائها المحليين برلمانا لا يختلف كثيرا عن برلمان انتخابات «التحالف الرباعي» عام 2005.. أي برلمان تتواصل فيه «حرب الإلغاء» ولكن بأساليب أخرى.