أحمدي نجاد.. والطرف الخطأ من العصا

TT

«لا يمكنك ضرب شخص ما بلا شخص آخر»، يبدو أن هذا القول الأميركي المأثور المرتبط بالسياسات الانتخابية أحدث العناصر الأميركية التي يتم إقرارها داخل الفولكور السياسي الإيراني في ظل الجمهورية الإسلامية. لذلك، يحاول فصيل «المعارضة الموالية» داخل المؤسسة الخومينية بجد العثور على «شخص ما» كي يقف في مواجهة الرئيس محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية القادمة.

للوهلة الأولى، يبدو أنه لا يوجد أي شخص على استعداد للاضطلاع بهذا الدور من أجل «المعارضة الموالية». ومن بين الشخصيات التي تم عرض هذا الدور عليها مير حسين موساوي خامنئي، وهو مصمم ديكورات ورئيس وزراء سابق أدت سياساته ذات المظهر اليساري الزائف إلى إطلاق لقب «الكوريين الشماليين المسلمين» على المجموعة التي يقودها.

من بين الشخصيات الأخرى التي يجري التفكير بشأنها للقيام بهذا الدور محمد خاتمي، وهو أحد الملالي من أصحاب الرتب المتوسطة، وتولى منصب الرئيس بالفعل على امتداد ثمانية أعوام. أما من يؤمنون بأن الملالي يجب التخلص منهم لصالح أعضاء المؤسسة العسكرية، فيتخذون صف محسن رضائي، القائد السابق لفيالق الحرس الثوري الإسلامي وأحد رجال الأعمال البارزين.

إلا أنه من الواضح أن «المعارضة الموالية» تتجاهل حقيقة بالغة الأهمية، وهي أن المشكلات التي تجابهها إيران اليوم ليست ناشئة عن الشخصيات. ربما تكون التوجهات الراديكالية لأحمدي نجاد قد أسفرت بالفعل عن تفاقم هذه المشكلات، لكنها لم تخلقها. في الواقع، إن المشكلات التي تعاني منها إيران ناجمة عن الخداع الكامن في قلب الأساس الذي يقوم عليه النظام الخوميني. هذا الخداع صارخ وبسيط، فنحن أمام نظام يصف نفسه بأنه جمهوري، بينما يشكل في حقيقته صورة من صور الحكم الاستبدادي الذي ينتمي إلى حقبة العصور الوسطى والذي يتمتع في إطاره فرد واحد بسلطة مطلقة باسم الدين.

ويعلم دارسو التاريخ أن النموذج الاستبدادي المنتمي للعصور الوسطى سار بشكل جيد لفترة طويلة. وبغض النظر عن وجهة نظرنا حيال هذا النموذج من المنظور الأخلاقي، فقد شكل نمطاً من الحكم يتميز بالكفاءة خلال تلك الفترة، حيث نجح في الحفاظ على السلام ووفر الاستقرار اللازم للتنمية الاقتصادية والعلمية.

من ناحية أخرى، تكمن مشكلة النظام الخوميني في هويته المتذبذبة، ذلك أنه يزعم كونه نظاماً جمهورياً، بينما يصر على أن السلطة أمر مقدس وأنه تجب ممارستها من قبل المتخصصين في اللاهوت. ويدعو هذا النظام المواطنين للخروج والمشاركة بأصواتهم في الانتخابات، لكنه لا يسمح لهم سوى بالاختيار من بين المرشحين الذين ينتقيهم. وحتى في هذه الحالات، بمجرد عد الأصوات، يُقدم الملالي ببساطة على إلغاء النتائج، بل ويعلنون فوز الخاسرين. ويسفر ذلك بدوره عن مشكلات هيكلية ليس بمقدور أي قدر من الخطابات إخفاءه. وبذلك انتهى الحال بإيران بالمعاناة من جميع مساوئ الحكم الاستبدادي المنتمي لحقبة العصور الوسطى، دون التمتع بالمميزات.

وينطبق القول المأثور بأنه: «لا يمكنك ضرب شخص ما بلا شخص» على الوضع الأميركي لأن الدستور الأميركي مصمم بأسلوب يضمن صياغة السياسات طبقاً لإرادة الشعب حسبما تعبر عنه الانتخابات. أما النظام الخوميني فمصمم بهدف الحيلولة دون حدوث أي تغيير حقيقي. في إطار مثل هذا النظام، يمكن للرئيس التمتع بنفوذ وسلطة حقيقية فقط إذا مارس الحكم بما يتماشى مع التوجه العام للنظام، وهذا تحديداً ما فعله نجاد على امتداد الأعوام الثلاثة السابقة، وهو السبب وراء كونه أول رئيس للجمهورية الإسلامية يتمتع بسلطة حقيقية. على سبيل المثال، اقترب أول رئيس للجمهورية الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، من حافة الجنون جراء دفعه نفسه للاعتقاد بأنه يتمتع بقاعدة تأييد شخصي. وقد حاول حكم البلاد طبقاً لتوجهات تتعارض مع تلك الخاصة بالنظام، متناسياً أنه بدون هذا النظام كان سيبقى طالباً مغموراً بجامعة باريس.

أما الرئيس الثاني، محمد علي رجائي، فلم يستمر في الحكم لفترة طويلة تمكنه من تنمية أسلوب مميز لها، حيث تعرض للقتل جراء تفجير إرهابي بعد بضعة أسابيع من توليه السلطة. وجاء خليفته، الرئيس الثالث للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، ليقرر تجنب تسليط الأضواء عليه. وقد نجحت هذه السياسة التي انتهجها لأن النظام الخوميني آنذاك كان به رئيس وزراء يتولى إدارة شؤون البلاد. وبما أنه يجد نفسه محصوراً بين المرشد الأعلى من جهة ورئيس الوزراء من جهة أخرى، فإن كل ما كان على الرئيس القيام به النأي بنفسه عن المتاعب والتزام الهدوء. ونجح الرئيس الرابع، هاشمي رفسنجاني، في تنمية أسلوب مميز له، حيث سعى لممارسة الحكم جنباً إلى جنب مع المرشد الأعلى. كما ساعد إلغاء منصب رئيس الوزراء في السماح للرئيس بممارسة صلاحيات الجانب التنفيذي من النظام.

من بين العوامل الأخرى التي لا تقل أهمية، أنه في الوقت الذي سعى فيه رافسنجاني وراء المال، سعى خامنئي، الذي أصبح الآن «المرشد الأعلى»، وراء السلطة. ونظراً لأن الاثنين لم ينصب اهتمامهما على الأمر ذاته، فقد تمكنا من العمل سوياً في تناغم كامل. وبمرور الوقت، ازداد رافسنجاني ثراءً بينما وسع خامنئي من نطاق سلطاته. ومثلما الحال مع الأميركيين، اعتقد رافسنجاني أنه بمجرد حصولك على المال يصبح في استطاعتك أيضاً الحصول على النفوذ السياسي. لكن خامنئي كان مدركاً طوال الوقت أن المال لا يمكن ترجمته دوماً إلى نفوذ، بينما يمكن دائماً ترجمة النفوذ إلى مال.

من جهته، حاول خاتمي، الرئيس الخامس للجمهورية الخومينية، ممارسة الحكم رغم أنف «المرشد الأعلى»، وإن كان بحذر بالغ. ومن الواضح أن خاتمي أساء فهم طبيعة النظام الذي مكنه من الوصول إلى منصب لم يكن ليصل إليه في ظل أي نظام آخر، ما دفعه لخداع نفسه، ولاحقاً محاولة خداع الآخرين، من خلال التظاهر بان الحكم الاستبدادي يمكنه التعايش مع النسبية الكامنة في قلب النظام التعددي للحكم. وقاد خاتمي النظام إلى حافة الانفجار الداخلي من خلال إثارته للانشقاق بدرجة عجز النظام الخوميني عن التعامل معها دون اللجوء إلى القمع الوحشي.

ونجح أحمدي نجاد في تنمية أسلوب خاص به في ممارسة الحكم، حيث حاول الحكم من خلال «المرشد الأعلى» وليس بالوقوف ضده أو إلى جانبه أو رغم أنفه. لقد أمسك معارضو نجاد بالطرف الخطأ من العصا.

لو كانت المهمة هي إدارة النظام الخوميني، فإن نجاد يعد أنجح رئيس أفرزه النظام حتى الآن. على الجانب الآخر، لو كانت المهمة هي قيادة إيران للخروج من الأزمة الثورية والتحرك نحو استعادة الوضع الطبيعي، فإن ما تحتاج إليه البلاد هو التفكير بشأن تغيير النظام وليس تغيير شخص الرئيس. إلا أن هذه هي القضية الوحيدة التي لم تبد «المعارضة الموالية» استعدادها بعد لتناولها على الصعيد المعلن، رغم التنامي المستمر في أعداد أعضائها الذين يفكرون في هذا الأمر بعيداً عن العلن.