يا وردة.. يا حبيبتي

TT

إنني مستعد أن أخسر عدة أيام من عمري، بل عدّة اشهر، على شرط أن أقابل ذلك السائق واسأله عن السبب الذي جعله يتصرف معي ذلك التصرف الغريب وغير المتوقع.

وإليكم ذلك الذي حصل، ففي أحد الأيام كنت قاطناً في أحد الفنادق لمدة يومين، ولدي موعد عمل لابد ان أنجزه، ومن غرفتي اتصلت (برجل الخدمات) اطلب سيارة تاكسي وأعطيته اسمي ورقم غرفتي والعنوان الذي أود الذهاب إليه، وفعلاً ما هي إلاّ خمس دقائق وإذا به يتصل بي قائلاً: التاكسي جاهز.

نزلت على عجل، وعند البوابة لاحظت أن السيارة متوقفة، وألقيت التحية على سائقها وفتحت الباب وركبت في الخلف، التفت لي السائق وسألني: هل أنت مشعل السديري؟!

فأجبته مازحاً: نعم، هل تريد أن انزل؟! قال لي: نعم، فظننت انه يمزح مثلي، فنزلت معتقداً انه سوف يبتسم ويدعوني ثانية للركوب، غير انني تفاجأت بانه انطلق بالسيارة من دون أي تردد، ولولا انني قفزت للخلف لكان قد دهس قدمي، ووقفت مبهوتاً من هذا التصرف الذي لم يخطر على بالي، فأنا لا اعرف الرجل ولا هو يعرفني، ولنفرض جدلاً انه يعرفني ويكرهني، فكان منطقياً في هذه الحالة أن يرفض ولا يتعب نفسه بالمجيء، وما زلت مصراً على سؤالي: لما تصرف معي هذا التصرف الأحمق؟! ذهبت إلى (رجل الخدمات) اسأله إن كان يعرفه، فقال: أبداً إنني طلبته من شركة نتعامل معها، ولديهم مئات السائقين.

اللهم إني أشكو إليك ضعفي وقلة حيلتي.

* * *

ذهبت إليه في مزرعته لكي اقضي معه يوماً جميلاً أزيل به بعض الهموم الكثيرة المتراكمة على صدري، وبينما كنت جالساً معه في عز الظهيرة تحت شجرة وارفة الظلال (مثلما يقول البلغاء)، نحتسي كؤوس الشاي (المنعنش)، وإذا بتلفونه المحمول يصدح، واخذ يتكلم قائلاً: معليش ولا يهمك، حقك عليّ، أرجوك أعطيني هي، حط السماعة على أذنها وارفع صوت الميكروفون لو سمحت من اجل أن تسمع هي.

ثم قال: تعالي بسرعة إلى هنا ولا تتأخري، هل تسمعين يا وردة يا كلبة، تعالي، تعالي.

وبعدها أغلق التلفون، كل هذا كان يجري وأنا مستغرب من هذا الأسلوب في التخاطب، عندها لاحظ مضيفي استغرابي فضحك قائلاً: إن المتصل هو جاري في البستان المقابل، ولدي كلبة كثيرة المرح والعبث ولا تستقر في مكان، وقد ذهبت إلى هناك، وانزعج جاري من حركاتها التي لا تتوقف، وخوفاً منه في أن تحدث بعض التلفيات في مزروعاته، اتصل بي مستنجداً، فاضطررت أن أتكلم معها بالتلفون.

قلت له: إذن الكلبة اسمها وردة!! (الله ينيلك)، لقد ظننتها فتاة، رد عليّ وهو لايزال يواصل الضحك: نعم.. نعم، ودمها (شربات)، وفعلاً ما هي إلاّ دقائق وإذا بوردة تقبل نحونا راكضة، وهي تلهث من شدة الحماسة، وجلست عند قدميه وكأنها تعتذر، فأخذ يوبخها بالكلام ووضعت المسكينة رأسها في الأرض بكآبة واضحة.

فأشفقت عليها وقلت لها: يا وردة يا حبيبتي انه يمزح، عندها ضحك مضيفي عندما سمعني أخاطبها بـ (يا حبيبتي)، وفرحت وردة وتغيرت ملامحها وأخذت تهز ذيلها، ولا اعلم إلى الآن هل كانت تهزه له أم تهزه لي؟!

وسألته: هل هناك كلب ذكر لدى جارك؟! قال نعم، قلت: إذن خلاص فهمت، (وأراهنك) إنني سوف آتي إليك بعد عدة اشهر وأقول لك بـ (الرفاه والبنين).

[email protected]