حقاً ليست الجنة

TT

كانت ثمة مواضعة قبل أيام بين الدكتور خالص جلبي في الشقيقة «الاقتصادية» وبين أحد قرائه. الموضوع كندا. والتطابق في الرؤية يفيد انها ليست الجنة التي توهمها المهاجرون، وأنها غارقة في الثلج لا ترى فيها سوى سقف البيت وجدران «المولات». ومن ثم فهي أنشئت لكي يعيش فيها ـ ويثرى ـ الغني أصلاً أو المتقاعد.

وباعتباري من أوائل المهاجرين الى كندا (1974) فإنني أطلب الرد بالنظام الداخلي. لا. كندا ليست الجنة. ولا أذكر أنها أعلنت عن نفسها مرة بهذه الصفة، لأنها الدولة الأكثر تواضعاً في الدنيا. وكندا بلاد الصقيع والشتاء الطويل وبيوت الاسكيمو وصيد السمك تحت الجليد وبلد البحيرات المتجمدة التي تسير عليها في الشتاء الشاحنات.

وكندا بلاد غربة، يشعر فيها أي انسان بالوحدة والعزلة، لكن ليس اذا كان قادماً من ألمانيا مثل العزيز الدكتور جلبي. ففي اللغة الالمانية يسمى الغريب «خارج الأرض» أو «خارج البلاد» حتى لو كان من النمسا، مسقط رأس هتلر. ان ما يميز كندا، أو ما كان يميزها الى ان فاضت بموجات الهجرة، هو انها دولة المساواة والبساطة والقانون. ودولة فيها نظام انساني ـ وليس اجتماعياً كما يسمى ـ لا يتقدمه سوى السويد، وربما النروج. والفقير في كندا هو «المضمون» الاول، لا يغلق باب في وجهه ولا يرمى على الطريق أمام قسم الطوارئ في المستشفيات، كما يحدث في لبنان.

لقد وقع الدكتور جلبي على سمسار نصاب يدبِّر أوراق هجرته، ووقعت على موظفة في العشرين من العمر، تمنيت لو أنها تعطي دروساً في استقبال الفازعين حول العالم. لن أنسى ملامحها وطيبتها. ولا أنسى موظف الهجرة الذي استقبلني عند الحدود لكي يشرح لي ما هي حقوقي، وكيف يجب أن أصر عليها، لأن لا أحد فوق حقوقي.

وكم أكره الشتاء القطبي وصحاري الثلوج، لكنني لن أنسى في دولة البساطة هذه كيف استقبلني رئيس وزرائها بيار اليوت ترودو وبأي كلام ودعني. وفي هذا البلد البارد كانت تأتي الحاكم العام، أي رئيس الدولة، الى مطعم شقيقي لتتناول ساندويتشا بثلاثة دولارات. تقريباً كل يوم. أما الشتاء فهو حقاً قارس، لكنه ليس ضد المهاجرين فقط. انه ضد الكنديين منذ 400 عام تقريباً.