ملاكمة العلماء في الدوحة

TT

أولا يفترض ان نشرح الموضوع من بدايته. قبل أربع سنوات اجتمعت وأسست ثلة من الإسلاميين جمعية باسم الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ضمن حركة المجتمع المدني التي انجبت الكثير من الجمعيات. دعي الشيخ يوسف القرضاوي ليكون رئيسا، حتى يعطيها الشهرة المطلوبة. ومنذ البداية شكك فيها أنها تجمع لمواجهة الحركة السلفية التي في اشتباك مستمر مع حركة الإخوان المسلمين. وقيل إنها سياسيا صممت لعزل الجماعة الوهابية، وهو مصطلح يراد به عادة تقزيم السعوديين. وكانت ايران اكثر حضورا من خلال المرتبطين بها من علماء ومفكرين عرب وإيرانيين. ووصف الاتحاد بأنه «مسجد ضرار».

ثم وقع الباطل بواقعة بين رئيس المجلس الشيخ القرضاوي والايرانيين ضمن تداعيات الحرب «الايرانية الشيعية» و«العربية السنية». كل ما فعله القرضاوي، الذي كان صديقا لهم، انه صرخ «حريق، حريق»، قائلا ان هناك مخططا ايرانيا لمد النفوذ الشيعي داخل المجتمعات السنية. وعلى عادة المتطرفين، نسي الايرانيون سنوات الخبز والملح فشتمت وكالة الانباء شبه الرسمية «مهر» القرضاوي وقالت إن الشيخ نطق نيابة عن زعماء الماسونية العالمية وحاخامات اليهود. وإمعانا في إغاظته قالت الوكالة الايرانية إن الشباب العربي أصبح يتوجه في الوقت الراهن للمذهب الشيعي. فرد عليهم الشيخ بلكمات جديدة معلنا الحرب على الشيعة الإيرانية ومحذرا منهم.

هنا استعجل المنظمون المصالحة فعقدوا مؤتمر «القدس»، والقدس عادة مجرد عنوان يستخدم في الصراعات الاقليمية والحزبية، ولا علاقة له حقيقة بالقدس المحتلة الا دعائيا. مشكلة دعاة المصالحة ان نائب القرضاوي في رئاسة الاتحاد هو شيعي، آية الله علي تسخيري الذي رفض الحضور احتجاجا، وكتب على موقعه الالكتروني منددا برئيسه القرضاوي. وبعد ملاكمة الشيخ القرضاوي وآية الله تسخيري العلنية ارسل الايرانيون وفدا كبيرا برئاسة ولايتي، قيل انه اعتذر للقرضاوي وطلب منه التراجع عن كلامه ضد إيران. وافق القرضاوي على التراجع اذا تراجعت ايران عن نشاطاتها ضد السنة، وهكذا فشلت المصالحة واستمرت الملاكمة. اما لماذا تفشل مثل هذه المؤتمرات فالسبب الاول لان نيتها غير خالصة، بل تستخدم بعضها لاغراض سياسية باسم الدين والمسلمين، وهذا ما اكتشفه القرضاوي متأخرا جدا. ولو نظرنا الى المؤتمر في الدوحة لرأينا مسرحية لا علاقة لها بالاسلام او القدس. جماعات متناقضة بينها حروب فكرية ودينية مستمرة، ثم تتحدث داخل المؤتمر عن التعاون والتسامح. أما على مستوى الأفراد فانت امام مسرح سوريالي، رجال دين متزمتون ويساريون يتبادلون البطاقات وارقام الهواتف، وبين الطرفين ما لا يحتاج الى شرح.

اما على مستوى الاسماء فعلى المرء ان يضرب رأسه في الحائط حتى يستطيع ان يفهم أنه مؤتمر الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين للقدس، حيث يجلس في المقدمة نجوم الحفل خالد مشعل، حاكم حماس في سورية والزائر الدائم لايران. والشيخ حارث الضاري الذي يتهمه العراقيون بانه سني متطرف صار صديقا لايران، رغم انه ينفي ذلك. اما معن بشور فهو الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي جاء ضمن الديكور العام. ايضا من ديكور الجلسة هناك الأب عطا الله حنا مطران القدس. وأغلب الحاضرين متطرفون سنة وشيعة واخوان جاؤوا باسم مواجهة المخططات الصهيونية لتهويد القدس. وليس الحال في خارج المؤتمر بأفضل من داخله حيث تستعر المعارك بين الجماعات الأصولية المختلفة عسكريا وكلاميا وفتاوى، وفي الوقت الذي يتحدثون عن التسامح يفتي علماء ضد تأسيس فريق نسائي لكرة السلة.

[email protected]