كلبة!

TT

لم أتوقع أن الاهتمام بالكلاب في السعودية بلغ هذا الحد، حتى أثار هروب كلبة من منزل صاحبها في الرياض ضجة وصلت إلى تخوم الصحافة ومواقع الإنترنت، ووزع صاحب الكلبة الهاربة 3000 ملصقة على نطاق واسع في شوارع العاصمة، عليها صورة الكلبة، ورقم هاتفه، كما خصص مكافأة 7500 ريال جائزة لمن يعثر عليها، فالكلبة بنت الكلب مهجنة من سلالتين نادرتين، وقد جلبها صاحبها من الولايات المتحدة الأمريكية، وتوالت بعد الإعلان فزعات بعض «النشامى» للبحث عن الكلبة، مؤكدين أنهم شاهدوها هنا أو هناك.. ولست أدري لماذا تخيلت فرحة الكلاب السائبة في المدينة بهروب هذه الكلبة المدللة المرباة على الغالي، فمن المؤكد أن الكلاب السائبة في المدينة نبحت طويلا فرحا واحتفاء بها، إذ تبدو من خلال صورتها في الإعلان بيضاء، غزيرة الشعر، ناعسة الجفنين، رقيقة الأطراف، رشيقة القوام، «مسمسمة» الوجه، باهية الأذنين، دقيقة الأنف، حلوة المبسم، ولا عهد لكلابنا السائبة المسكونة بالسعار والجرب والاكتئاب بهذه المستويات من الجمال الباهر.. وقد يؤدي هروب هذه الكلبة إلى الكثير من معارك كلاب الشوارع بغية الاستئثار بها، ونيل حظوتها، والظفر برضاها، والتنعم برفقتها.. وفي كل الأحوال سيؤدي هروبها إلى تحسين نسل كلابنا، وتجميل منظرها، والارتقاء بسلوكياتها، وتهذيب طباعها، ولن نحتاج بعد مرور بضعة أعوام إلى استيراد هذه الكلاب الفاخرة من الخارج، حيث يمكن الحصول عليها من مرامي الزبالة والأحياء الخلفية..

حينما هرب ابن جيراننا في الحي الشعبي «نصيب» قبل سنوات أغرتنا والدته أن نبحث عنه، وخصصت مكافأة قدرها 10 ريالات لمن يعثر عليه، أو يساعد في الاستدلال على مكانه، ولم ترحل شمس ذلك اليوم حتى كنا قد قبضنا على «نصيب»، وأتينا به مسحوبا على الأرض إلى منزل أهله، والدماء تسيل منه، ولما رأته أمه على تلك الحالة نكثت بوعدها، وانهالت علينا بحذائها الكالح الذي اقتاتت منه الطرقات قبل أن تعود لتحتضن ابنها في حنان، وتمسح عن جسده الدماء وتراب الطرقات التي علقت به، وأخرجت مكافأة العشرة ريالات لتضعها في جيب ابنها «نصيب» مكافأة له وردعا لأمثالنا..

حينما قرأت عن حجم المكافأة التي خصصها صاحب الكلبة لمن يعثر عليها صحت من حر ما بي:

ـ أينك يا «نصيب» لقد أحضرناك في ذلك المساء بثمن بخس؟!

[email protected]