خير جليس.. مع فنجان قهوة

TT

بعد رحلة طويلة في بحار النقد الأرقي وبحيرات الفلسفة وغابات النفس البشرية، حاول كولن ولسون كتابة الرواية، متكئاً على ثقافة لا حد لغزارتها. وجرب «الخيال العلمي» في رواية بعنوان «طفيليات العقل». لكن ما بين السباحة في الكواكب وتسلق نهايات التكنولوجيا، يعود حيناً بعد حين إلى الأرض، ليعطي مثالا عن أثقل الثقلاء. فمن هو هذا؟ كيف يكون؟ ما هي الصفة التي تجعله أثقل مخلوق على الأرض؟

أظنك حزرت. بطلك كتاب طلبته منذ أسبوعين في رزمة بريدية. تلتقط الرزمة وتروح تمزق أغلفتها بعصبية. ثم يطل حضرته. ويبدأ في طرح الأسئلة. ويستمر. ولا ينتهي. هذا هو أثقل رجل في الكون، حتى في الخيال العلمي؟ موافقون.

الوقت في جدة، لصاحبه برغم المسافات السوريالية. برغم الازدحام التشكيلي على الكورنيش. ولذلك أجد نفسي كل مساء في مكتبة «العبيكان»، أبحث عن الجديد وأستعيد القديم. وبما أنني أصبحت من بدائيي الكمبيوتر، فإنني أدعي البحث عن لوازمها أيضاً، وألحظ نظرات الشك في عيني البائع عندما أزعم معرفة الفرق في الرقائق، فيزعم هو أيضاً أنه صدقني. الكذب تعزية أحياناً، إذا كان في هذه الرقة. كان للشاعر المثقف فهد عافث اكتشاف بديع في جدة. الحقيقة أن له اكتشافين: الأول مقهى للشيشة أو النرجيلة أو التعسيل. وقد أحلته في ذلك على الدكتور أنور الجبرتي، الذي يبدو أن كل قفشاته ولمحاته الذكية وتأملاته الفلسفية تولد على أنغام الكركرة المائية. ويمتع الجبرتي جلساته ويؤنس رفاقه بسيل من شلالات البديهة وسرعة الخاطر وصفو النفس. لذلك كلما أبطأ أو توقف، صاح أحدنا: «جمرة يا ولد». عزز طهمازية أبا محمد.

الاكتشاف الثاني بتوقيع فهد عافث، مكتبة جديدة قرب شارع الأمير سلطان، تدعى «دار إصدارات». كنت عندما أذهب إلى نيويورك أتوجه إلى سكريبنر لأرى كيف تكون المكتبات، وكيف تكرم الكتب. «إصدارات» نسخة مصغرة. مقهى صغير في مكتبة كبيرة، الكتب فيها تقرأ وتستعار ولا تباع. عطر الكتب لذيذ وألوانها جميلة ومختاراتها ماتعة ومفيدة.

تمنيت، ذات يوم، أن أنشئ مكتبة مثلها في بيروت. يتكفل الرأسمال صديقي محمد العبيكان أو أحد إخوته ـ وأخوتي ـ وأتكفل أنا نقل مكان عملي من البيت إلى مقهى «إصدارات». بلا نراجيل.