قل لي من أنت أولا!

TT

تعلمت بعض الحشرات والحيوانات بمرور ألوف وملايين السنين أن تحمي نفسها. فالحرباء تتلون ـ أي تخفي نفسها بأن تتخذ لون البيئة حولها: خضراء كأوراق الشجر.. بنية مثل جذور الشجر.. سوداء كالأرض. فإذا جاءها عدو لها لم يتبين مكانها.. وكذلك بعض الفراشات أيضا.

وبعض الطيور تتصنع أنها سقطت على الأرض كسيرة الجناح فإذا اقترب منها العدو طارت كأن شيئا لم يصبها. وبعض الحيوانات تتصنع الموت، وتوقف قلبها وتطلق روائح كريهة كأنها ماتت وصارت جيفة فتبتعد عنها الحيوانات المفترسة..

إن هذه الحيوانات تعلمت بمرور ملايين السنين أن تمارس ظاهرة (التلون الوقائي) ـ أي تتلون للوقاية. وكما نفعل أثناء الحروب فإننا نطفئ الأنوار ونقوم بطلاء النوافذ باللون الأزرق الذي لا تراه الطائرات المعادية..

ونتلون في حياتنا العادية: نغير رأينا ومواقفنا وننافق، أي نتلون مع الظروف خوفا منها.. ومن المألوف أن نجد أناسا يتحولون من حزب إلى حزب، ومن رأي إلى رأي.. والسبب: إنه التلون من أجل البقاء، أي أن البقاء أهم من الثبات على الرأي والنظرية. ونلوم الناس بدون أن نعرف ظروف الناس. ما الذي دعاه إلى ذلك: مرض. ضعف. طمع. أو هي الحكمة: دارهم ما دمت في دارهم.. أو انحن حتى تمر العاصفة.. أو هي شعرة معاوية.. أو لا تكن جافا فتنكسر ولا لينا فتعتصر..

ويقال إن الفيلسوف الأفريقي ديوجانس اللاثرسى سئل يوما: صباح الخير. كيف حالك؟ فقال: من أنت؟ فقال: رئيس الإدارة. فقال: أحسن حال. فقال له: ولماذا تسألني من أنا قبل أن تجيب؟!

قال ديوجانس: فإن كنت واحدا مثلي فالحالة زي الزفت وإن كنت واحدا منهم فالحياة هي النعيم المقيم!