بالين تستمر في القيام بالمقابلات التلفزيونية لكن الشكوك تتزايد

TT

قضت سارة بالين معظم الأسبوعين الماضيين وهي في موقف المدافع، والنقاد يلاحقونها على خلفية الأداء الهزيل الذي يظهر في مقابلاتها التلفزيونية، وهو ما دفع بعض الكتاب من المحافظين إلى التساؤل عما إذا كانت بالين مؤهلة بالفعل لمنصب نائب الرئيس.

لكن بالين التي ظهرت في المناظرة التي جرت أخيرا أمام السيناتور الديمقراطي جوزيف بيدن، كانت في ثوب مختلف تماما فلم تبد في مظهر المدافع على الإطلاق، ففي تحول كبير حول سلسلة من قضايا السياسة الداخلية والخارجية كانت بالين أكثر نشاطا، وأعادت إلى الأذهان الصورة التي بدت عليها في الأسابيع الأولى لترشيحها لمنصب نائب الرئيس، حيث ألهبت حماسة مؤيدي الحزب الجمهوري.

ونتيجة لذلك، فما كان ينظر إليه على أنها لحظة سقوط بالين تحول الأمر عوضا عن ذلك إلى مناقشة مهذبة وحيوية بين مرشحين لمنصب نائب الرئيس حول السياسات وأفضلية أجندات السيناتورين جون ماكين وباراك أوباما. ولمدة 90 دقيقة تناظر الاثنان حول العراق وأفغانستان والطاقة وارتفاع درجة حرارة الأرض والاقتصاد والضرائب وأي المرشحين سيقوم بما هو أفضل لحماية الطبقة المتوسطة.

لكن مناظرة واحدة لن تكفي لإزالة تلك الشكوك حول قدرة بالين على تولي منصب نائب الرئيس، لكن أثر تلك المنافسة ربما يحول الانتباه عن تلك اللقاءات التي أجرتها من قبل، وأن تضعها مجددا كمتبار جيد في سباق الترشح للمنصب وماذا سيقدمون للبلاد. وستقدم المناظرة أهمية كبرى إلى المناظرتين القادمتين في السباق نحو الفوز بمقعد الرئاسة. وقد قدمت بالين ما كان يرغب فيه ماكين منها، إذا كان موقفه الانتخابي قد تعرض إلى التراجع بصورة حادة نتيجة لتحول الأنظار على المستوى الوطني إلى الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها الاقتصاد الاميركي، وكانت استطلاعات الرأي التي أجريت سواء على مستوى الولايات المتحدة أو الولايات ذاتها قد أظهرت تقدم أوباما الواضح على ماكين، وقبيل المناظرة تواترت أنباء إسقاط ماكين لميتشغان التي كان ينظر إليها على أنها داعم كبير بالنسبة له من حساباته.

تألق بالين في المناظرة لم يكن هو المرة الأولى، ففي المرة الأولى حين تحدثت أمام المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، بددت كل الشكوك التي أثيرت بعد الإعلان عن اسمها كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، بأداء قوي أشعل حماسة الجمهوريين، لكن إذا كان ذلك كافيا لتغيير اتجاه السباق، الذي يبدو أنه يزداد صعوبة بالنسبة للجمهوريين، فأعتقد أن تلك مسألة أخرى.

وقد ألقى بيدن بكل ثقله في المناظرة لإطاحة بالين من الجولة الأولى، والتأكد أن مناظرة أخرى لن تقام، وإذا كان حضور بالين القوي خلال المناظرة بمثابة المفاجأة، فأعتقد أن بيدن كان ثابتا ومتمرسا. وقد حاولت بالين إظهار قدر كبير من الحيوية، لكن بيدن عمل على طمأنة الناخبين الذين تدور في أذهانهم أسئلة حول قدرة أوباما على تولي سدة الرئاسة. وإذا ما كان ذلك قد أحدث صداه فإن بيدن بذلك يكون قد ساهم في رفع شعبية أوباما والديمقراطيين.

وقد أحدثت بالين حالة من الإحباط لهؤلاء الذين توقعوا أنها ستفشل على منصة جامعة واشنطن، فبعض الاستراتيجيين من الجمهوريين، الذين ليسوا على اتصال مباشر بالحملة الانتخابية، والذين توقعوا أداءً ضعيفًا لبالين كانوا منبهرين بأدائها، وإذا ما كان منتقدو بيدن، يتوقعون أن يبدو هو الآخر في المناظرة متعاليا، أصابتهم حالة من الإحباط أيضا، فقد أظهر خبرته التي استمرت لثلاثة عقود في واشنطن بطريقة حاول من خلالها بث الطمأنينة في قلوب الناخبين عن نفسه وأوباما.

وقد كان بيدن وبالين يتحدثان بصورة طبيعية وبصورة افتقدها أوباما وماكين في مناظرتهما الأولى، فقد اعتلت وجه بالين ابتسامة جذابة طوال المناظرة، وكانت تتحدث بثقة كبيرة، أما ماكين فقد بدا عصبي المزاج في بعض الأوقات خلال المناظرة وقضى أكثر من90 دقيقة يحاول تحاشي النظر إلى أوباما، لكن بالين وجهت تعليقاتها إلى خصمها وكان هناك اتصال عن طريق البصر. وسألت بيدن وهما يتصافحان قبل بدء المناظرة «هل بإمكاني أن أدعوك جو؟».

كما كان بيدن يتحدث بصورة مباشرة، فلم يعمد إلى الإطناب في كلماته. فكانت إجاباته واضحة وبصورة تلقائية على عكس أوباما الذي كانت إجاباته مدروسة وتعمد إلى استخدام لغة التوقف، ونظرًا لأن بيدن يعلم أن كلمته لن تكون بنفس الدهشة التي ستستقبل بها كلمة بالين، بالنظر إلى خبرته، لذا تجنب الحديث بلهجة السيناتور التي دائمًا ما تعيق البعض ممن قضوا مدة طويلة في واشنطن مثله، كما كانت تعلو وجهه ابتسامة كبيرة لإحداث تأثير جيد.

جاءت بالين إلى تلك المناظرة على غير الصورة التي بدت عليها من قبل، فخلال اللقاءات المتلفزة، حيث كانت بعض الأسئلة تثير ارتباكها، وقد بدت أكثر ثقة وأكثر اطلاعا، فلم تخطئ في ذكر أسماء قادة الدول الأجنبية، وقد قامت بالين بعودة سريعة إلى المنافسة عندما تحداها بيدن.

كما جاءت بالين بخطة أخرى هي الوقت، ومرة أخرى ذكرت الجمهور بأنها تتحدر من مدينة صغيرة، ووضعها كشخص خارج المنظومة الحاكمة في واشنطن وعلاقاتها كأم لأبناء يلعبون الهوكي وكرة القدم وقالت إذا ما كنت ترغب في إصلاح الأوضاع في واشنطن فما عليك إلا أن تبعث بشخص من خارج واشنطن لكي يقوم بالمهمة وتقول «أعتقد أننا بحاجة إلى أن ننقل القليل من الحقيقة في واليسا مين ستريت هناك إلى واشنطن». كما سعت أيضًا إلى كسب تعاطف مشاهدي القنوات المحلية كشخص يتعرض لهجوم كبير من النخبة وخصومها الديمقراطيين، فتقول «قد لا أجيب على الأسئلة التي قد ترضي مدير المناظرة أو تعجبكم، لكني سأتحدث بصورة مباشرة إلى الشعب الأميركي، وسأتركهم يعرفون سجل إنجازاتي».

وكانت خطة بيدن هو الآخر تعتمد على تصوير ماكين على أنه امتداد لبوش والقول بأن الناخبين إذا كانوا يرغبون حقا في التغيير فإن ذلك لن يأتي إلا بالانتخابات عن طريق التذكرة الديمقراطية، وأثار النقطة الخاصة بشأن ماكين حول الاقتصاد والضرائب، لكنه كان حازما عندما انتقلت دفة الحوار إلى السياسة الخارجية. وفي كل مرة كان يربط فيها بيدن ماكين ببوش كانت بالين تتهمه بالنظر إلى الخلف، وقالت «بالنسبة للبطاقة التي هي بحاجة إلى الحديث عن التغيير هناك الكثير من إلقاء اللوم على الإدارة الماضية تجعلنا نعتقد أن ذلك هو الاتجاه الذي ستسلكه. هناك تغيرات كبيرة ستحدث. وإصلاح الحكومة سيتم وسوف نتعلم الدروس من الإدارة السابقة والإدارات الأخرى».

وكان رد بيدن قاسيًا هو الآخر فقال «ما أود أن أعلمه هو كيف ستختلف سياسة ماكين عن سياسة بوش الحالية؟ أنا لم أسمع أي شيء، لم أسمع كيف ستختلف سياسته عن سياسة بوش تجاه إيران، أو كيف ستختلف سياسته عن سياسة بوش تجاه العراق، ولم أسمع كيف ستختلف سياسته عن سياسة بوش بالنسبة لأفغانستان، ولم أسمع كيف ستختلف سياسته عن سياسة بوش بالنسبة لباكستان».

جاءت ردود فعل المحللين السياسيين حول المناظرة كما كان متوقعا من كلا الجانبين، إلا أن بعض الديمقراطيين قالوا إن بالين أعدت نفسها بشكل جيد للمناظرة، ويقول تاد دفين الديمقراطي: «لم يعد نائب الرئيس قضية هامة، وقد قام بيدن بعمل جيد خاصة في نهاية المناظرة وأعتقد أنه لن تكون هناك مناظرات أخرى للمرشحين لمنصب نائب الرئيس».

بينما أشار محللون ديمقراطيون آخرون إلى أن بالين لم تقدم ما يكفي لتحويل الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد لصالح ماكين، فيقول جيفري غارين: «بالنسبة لهؤلاء الذين يميلون إلى التصويت لصالح أوباما لم يستطع أداء بالين أن يمنعهم من ذلك»، وأضاف: «لكن مشكلة ماكين هي أنه لا يوجد هناك الكثير ممن يميلون للتصويت لصالحه وأداء بالين لم يفعل أي شيء لتغيير ذلك أيضًا».

لكن بعض الجمهوريين كان لهم رد فعل إيجابي على المناظرة كما لو أن عبئا قد انزاح عن كاهل ماكين فيقول توم راث الاستراتيجي بالحزب الجمهوري في ولاية نيوهامشير: «لقد قدمت أفضل أداء لها، لقد كانت أفضل 90 دقيقة في الحملات الانتخابية خلال الأسبوعين الماضيين.. ومهما كانت التوقعات فقد أطاحت بهم».

والمناظرة بين مرشحي نائب الرئيس جاءت بفائدة عالية وتوقعات كبيرة على عكس توقعات البعض، وهو ما سيترك الأمر لكل من أوباما وماكين لتقريره خلال الأيام القادمة.

*خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»