ولكنهم لا يضحكون!

TT

.. بل كان العرب يضحكون أيضا. وكانت لهم كتب بديعة. يمكن أن تكون بين يديك في أي وقت..

فكتاب «الأغاني» للأصفهاني مليء بالنكت الأدبية والحكايات المضحكة.. والجاحظ عنده كتاب «البخلاء».. وابن الجوزي عنده «أخبار المغفلين».. والخطيب البغدادي عنده «حكايات عن التطفل والطفيليين»..

ويدهشك هؤلاء العلماء كيف جمعوا ورتبوا وصنفوا هذا الكم الهائل من النوادر الموثقة. ومن الغريب أنهم جميعا لم يكونوا قادرين على خلق مواقف مضحكة..

فالخطيب البغدادي مثلا سأله أحد الشعراء: وأنت تضحك أيضا؟ فقال: لا أستطيع أن أضحك.. أنا مهموم بجمع هذه الحكايات التاريخية.. إنها مسألة جادة.

وأنا أصدقه فقد كان عندنا في «أخبار اليوم» المصرية مجلس للنكت. أي نجتمع لنضع صورا كاريكاتورية للسخرية من الأوضاع السياسية. ومن يفتح الباب ويرانا يخيل إليه أننا في حالة حزن. وأنه من الواجب أن يسألنا: من هو الفقيد.. ولكن التفكير هو نوع من الألم. والروح الجادة هي حالة للبحث عن صور تضحك وعبارات مضحكة أيضا.. وهي مسألة جادة إلى أن نجدها ونفرغ منها!

حتى كاتبنا العظيم الجاحظ كان بارعا سليط اللسان قوي الذاكرة. جمع الكثير مما أضحك الناس في كل العصور. لم يكن هو شخصية ظريفة لطيفة.. بل كان سليطا خشنا. وكانت خشونته تفسد المتعة والحفاوة به. ويندهش الناس كيف يجمع كل هذه الفكاهات ولا يكون هو نفسه فكاهيا.

قيل له: ما دمت قد جمعت هذا العدد من البخلاء، فلا بد أنهم أثروا فيك، فهل أنت بخيل؟

فسأله الجاحظ: هل ورد ذلك في كتبي. فقيل له: لا. فقال الجاحظ: إذن لست بخيلا. ورأى في ذلك إجابة مضحكة.. مع أنها ليست كذلك!