صديق ماكين

TT

في مقال نُشر أخيرا في صحيفة «واشنطن بوست» أشار أحد الناشطين الجمهوريين البارزين لمحرر الصحيفة مايكل شير، بقوله: «لا خلاف في أننا بحاجة إلى تغيير الوضع هنا».

وكانت «القضية» محل الخلاف هي الاقتصاد وكيفية إصلاحه. وفي الوقت الذي بدأ فيه الأميركيون توجيه أنظارهم بعيدًا عن العالم ـ وهو الأمر البعيد عن الصفات الشخصية لماكين وأسلوب قيادته ـ والتركيز على الاقتصاد، اتجه باراك أوباما نحو الزعامة الوطنية والعديد من الولايات المهمة لنيل معركة الانتخابات.

وقد أدرك مساعدو ماكين في حملته الانتخابية أن المرشحين الانتخابيين يتحدثان عن الاقتصاد المعتل منذ فترة طويلة، وإذا ما استمر هذا الوضع فسيستمر ضعف مكانة ماكين. وعلى هذا الأساس، أعلنت الحملة أنها ستمضي في الهجوم مرة أخرى عبر الموضوعات الخطيرة المتعلقة بروابط أوباما مع جيرميه رايت وبيل أيرز، مؤسس منظمة «ويزرمان» والأستاذ السابق بكلية التربية في جامعة إلينوي لنحو عقدين من الزمان تقريبًا.

وفي خضم مباشرتها لحملتها الانتخابية في كولورادو، اتهمت سارة بالين السيناتور باراك أوباما بأنه «يرافق الإرهابيين» من خلال مرافقته لأيرز، مستشهدة في حديثها بمقالة نشرتها «نيويورك تايمز» في صباح نفس اليوم. وفي واقع الأمر، فقد أوضح المقال المنشور في الصحيفة أن «العلاقة» بين باراك وأيرز تألفت من رجلين يحضر كل منهما اجتماعات مجلسي إدارة منظمتين في شيكاغو، وأنه ليس هناك أدنى اتصال بين الرجلين، غير مقابلة كل منهما الآخر مصادفة على الرصيف (فكلا الرجلين يعيشان في نفس الحي)، منذ أن تم انتخاب أوباما كعضو في مجلس الشيوخ عام 2005 . وقد لاقت قصة علاقة أوباما مع أيرز قدرا وافرا من السخرية والتهكم، لأنها بصورة رئيسة تدل على وثاقة الصلة بين أوباما والمؤسسة المدنية في شيكاغو. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1995، تم تعيين أوباما ـ الذي كان في ذلك الحين محاميا شابا ليس له مكتب ولكن كانت له طموحات سياسية ـ في منصب رئاسة مجلس إدارة منظمة الإصلاح المدرسي، والتي أسستها وتمولها «أنينبرج فاونديشن»؛ وهي الجماعة التي تتولى توزيع ثروة والتر أنينبرج ـ سفير الرئيس ريتشارد نيكسون لدى بريطانيا. وهناك فقط التقى أوباما مع أيرز، الذي كان حينها عضوا من أعضاء مجلس الإدارة، وعضوا بارزا بين نخبة السياسة التعليمية في شيكاغو. (وقد أخبر مايور ريتشارد دالي ـ الراديكالي المعروف ـ صحيفة «نيويورك تايمز» أنه كان يستشير أيرز في القضايا التعليمية لعدة سنوات).

ولكن إذا أراد رجال ماكين التنقيب في العلاقات والروابط الخاصة ـ سواء كانت حقيقية أم متخيّلة ـ بالمرشحين الرئاسيين من أجل إضعاف الرموز التي تحاول التقليل من غرور الجمهوريين، فإن عليهم أن يبدأوا بأنفسهم. ومن بين هؤلاء من تُعزى إليه الأزمة المالية التي ضربت البلاد وأحدثت بها نوعًا من الركود ألا وهو فيل غرام سيناتور تكساس السابق، وهو المرشد الاقتصادي الخاص بماكين.

لقد كان غرام دومًا رجل وول ستريت في مجلس الشيوخ. ونظرًا إلى أنه كان رئيس اللجنة المصرفية داخل المجلس في عهد إدارة كلينتون، فإنه كان دائما ما يقدم تمويلا أقل للجنة مراقبة الأوراق المالية والصرف، كما أنه كان يمنعها من إيقاف مراجعة مؤسسات المحاسبة للشركات التي تتعارض مصالحها مع تلك المؤسسات. وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) 2000، ظهر أفضل ما فعل غرام، عندما وافق على مشروع قانون الإنفاق الشامل، وهو القانون الذي أُطلق عليه قانون تحديث البضائع المستقبلي (CFMA)، وهو ايضا القانون الذي منع أي نوع من التشريعات الحكومية لمقايضات العجز عن سداد قروض الائتمان، وهذه السياسات التأمينية تعمل على تغطية خسائر الأوراق المالية في حالة التضخم. وفي ظل تفاقم أزمة الإسكان ارتفعت القيمة الإسمية لتلك المقايضات بما يزيد عن 62 تريليون دولار. وفي ظل تفجر أزمة الإسكان أصبحت تلك المقايضات ركيزة أساسية للأوراق المالية عديمة القيمة، وذلك نظرًا إلى أنه ليست هناك أي هيئة أو منظمة حكومية طالبت البنوك بادخار الأموال من أجل مواصلة دعمها.

كما أدى قانون تحديث البضائع المستقبلي إلى منع الحكومة أيضًا من تنظيم سوق تجارة الطاقة، والذي مكّن إنرون تقريبًا من إفلاس ولاية كاليفورنيا قبل أن يفلس هو ذاته.

إن المشكلة في هذه الممارسة ـ بالطبع ـ هي أن علاقة غرام مع ماكين ليست موضع مقارنة بعلاقة أوباما بأيرز أو رايت. والفكرة الضمنية هنا أن الأحاديث التي تشير إلى أن رايت أو أيرز من الممكن أن يكون لهما تأثير على إدارة أوباما ما هي إلا هراء. ومع ذلك، فإن غرام وماكين ما زالا يتمتعان بتحالف اقتصادي وسياسي قوي. فقد ترأس ماكين حملة غرام الرئاسية قصيرة الأجل عام 1996، كما أن غرام هو الرئيس المساعد لجهود ماكين الحالية. وبالإضافة إلى ذلك، لم ينكر ماكين التقارير التي تفيد بأن غرام موجود في القائمة الصغيرة الخاصة به بشأن المرشحين لتولي منصب رئيس الخزانة إذا ما تم انتخابه فعليًا، حتى بعدما وصف غرام أميركا بأنها «دولة المنتحبين».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»