عمليات الإنقاذ الجوي محفوفة بالكثير من المخاطر

TT

شعرت بأسى بالغ، مثلي في ذلك مثل الكثيرين من الأميركيين، عندما علمت بنبأ تحطم مروحية الإسعاف الجوي الطارئ «يوروكبتر دوفين تو» في برنس جروجز كاونتي، حيث لقي أربعة أشخاص حتفهم ويرقد أربعة آخرون في حالة حرجة.

لكني كرئيس سابق لهيئة سلامة النقل الوطني لم أشعر بالصدمة إزاء الحادث، الذي يعتبر أمراً مألوفًا بالنسبة لتلك النوعية من الخدمات الجوية. فمروحيات الإنقاذ الجوي السريع تعتبر واحدة من بين أخطر الطائرات التي تحلق في الأجواء. ففي الوقت الذي تراجعت فيه حوادث الطيران التجاري على مستوى العالم، خلال العقد الماضي، ارتفعت معدلات حوادث مروحيات الإنقاذ الجوي السريع. وحتى الآن يعد عام 2004 أسوأ الأعوام التي شهدت حوادث من هذه النوعية، فقد شهد مصرع 18. لكن العام الحالي والذي لم ينته بعد شهد مقتل 20 في حوادث من هذا النوع. وهو ما يشير إلى أن الأمور تسير إلى الأسوأ.

ومع تحطم مروحية الإنقاذ الجوي السريع أخيرا يرتفع عدد ضحايا تلك الطائرات خلال الشهور الخمسة الماضية إلى 17. ففي 29 يونيو (حزيران) الماضي سقطت مروحيتان للإنقاذ الجوي السريع بالقرب من فلاغستاف بولاية أريزونا وأدى ذلك إلى مقتل ستة، كما تحطمت مروحية من طراز بيل 407 في 8 يونيو في هانتسفيل بولاية تكساس وأدى ذلك إلى مقتل أربعة كانوا على متنها. وفي 10 مايو/ أيار تحطمت مروحية الإنقاذ الجوي السريع طراز يوروكوبتر إي سي 13 في لاكروس بولاية ويسكنسون، قتل فيها الطيار والجراح والممرضة. وعلى الرغم من أن هذا الصيف كان سيئاً، إلا أن أحداً لم يكن ليتوقع أن يرتفع العدد من الضحايا على هذا النحو.

وما أخشاه هو أنه، ما إن يتم الكشف عن أسباب الحادث، سيتبين أنه ناجم عن الجهل بالدروس المأخوذة من الحوادث السابقة. تقول السلطات المحلية إن المروحية كانت تفتقر إلى نظام الوعي بالتضاريس الجغرافية والإنذار (TAWS)، وهو ما يعتبره خبراء الطيران أمراً ضرورياً للتحليق بصورة آمنة في الظروف الصعبة. وأشارت هيئة سلامة النقل الوطني في بيانها إلى أن الطيار الذي كان يقود المروحية كان الطيار الوحيد، أي أن عليه العمل من خلال اللاسلكي علاوة على المناورة بالمروحية، وأنه حاول طلب المساعدة في ذلك اليوم مرتين بسبب الضباب الكثيف. مثل تلك الظروف الجوية ـ التي يتواجد فيها طيار واحد فقط في مثل تلك الأجواء الصعبة ـ هي الأسوأ التي يمكن أن تواجه الطيارين، ومع ذلك يطالب الطيارون بقيادة الطائرات في تلك الأجواء طوال الوقت.

وبدلاً من الإجابة على الأسئلة قدمت إدارة الطيران المدني الأعذار، ففي آخر تصريح إخباري لها قالت إن «عمليات مروحيات الإنقاذ الجوي السريع تعتبر حالة استثنائية بذاتها نظراً لطبيعة المهام الطارئة التي تقوم بها».

وفي مواجهة تلك الأزمات يجب على إدارة الطيران المدني أن تعمل على «تشجيع إدارة المخاطر، وتدعيم تكنولوجيا الأمان مثل أجهزة الرؤية الليلية والوعي بالطبيعة الجغرافية للمناطق التي تهبط فيها تلك الطائرات وأنظمة الإنذار (TAWS) ورادار قياس الارتفاع».

وقد كنت دائماً أتفق مع توماس جيفري في نظريته حول الإدارة والتي تتلخص في أن «العناية بحياة البشر وسعادتهم وليس دمارهم يجب أن يكون الهدف الرئيس والوحيد للحكومة»، لكن للأسف فحكومتنا لم تتبن تلك الفلسفة، فقد أظهر الحادث إمكانية وقوع سلسلة من تلك الحوادث دون أن تتحرك الجهة المختصة مبدية أي رد فعل يمنع وقوع تلك الحوادث مرة أخرى.

مثل هذا السلوك من الحكومة غير مقبول، فالكثير منا نحن العاملين في مجال الأمن الجوي طالبنا كثيراً بضرورة تواجد طيارين في مروحيات الإنقاذ الجوي السريع وأجهزة رؤية ليلية ومعرفة بالطبيعة الجغرافية للمناطق وأنظمة إنذار، وأعتقد أنه بدلاً من أن «تشجع» إدارة الطيران المدني على استعمال تلك الأجهزة أعتقد أن عليها طلبها، كما أتمنى ألا تمر تلك الحوادث مرور الكرام دون أن تكون هناك دروس مستفادة منها. يجب أن يجعل هذا العدد الكبير من الحوادث إدارة الطيران المدني تدرك مدى التهديد الذي تمثله عمليات الإنقاذ الجوي السريع لطياريهم ومسافريهم.

* كاتب المقال كان رئيس هيئة أمن النقل الوطني من 1994 وحتى 2001. ويعمل حالياً مديرا مشاركا في شركة هول آند أسوسييشن «إل إل سي» التي تعمل في مجال إدارة الأزمات

والعلاقات الحكومية

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»