مقالب وانقلاب

TT

قضى صديقي عبد المنعم الخطيب سنوات طويلة في السلك الدبلوماسي العراقي. لم أكن طرفا في هذه المهنة ولكن روح الفكاهة والنكتة جمعت بيننا فسمعت الكثير من طرائفه عن عمله في هذه الساحة. كان يعمل في السفارة العراقية في ماليزيا عندما قصد عبد المجيد عبد النبي، وكيل وزارة الزراعة مدينة كوالالمبور لحضور مؤتمر زراعي ليمثل العراق فيه. استمع عبد المنعم إلى إذاعة البي بي سي فسمع منها أن انقلابا قد حدث في بغداد. أسرع ليخبر السيد الوكيل فكذب ما أخبره به وأنبه قائلا: «لماذا تستمع إلى إذاعة استعمارية؟ الأوضاع مستقرة في العراق وإذا لم يعجبك ذلك فقدم استقالتك وأرحنا». لم تمض غير ساعات قليلة حتى تسلم عبد المنعم برقية بفصل ممثل العراق عبد المجيد عبد النبي من وظيفته. أخبره بذلك وسأله كيف سيرد على البرقية؟ قال: له اكتب ما أمليه عليك. وكتب: «مثلناكم فمثلتم بنا!».

عاد عبد المنعم الخطيب إلى بغداد ليتسلم وظيفة في ديوان الوزارة، عندما كان صديقنا جعفر رائد رحمه الله، قائما بأعمال السفارة الإيرانية في العراق. كانا صديقين حميمين وكثيرا ما قضيا ساعات الاسترواح سوية. وكانت الدولتان المتجاورتان مشغولتين كالعادة في المنازعات الحدودية والأنهار المشتركة. وكالعادة تمخض ذلك عن سلسلة متواصلة من الاحتجاجات والمذكرات الروتينية بين الطرفين بما أرهق الزميلين الدبلوماسيين دونما نتيجة. فاتفقا على شيء واحد: يمزق جعفر رائد الاحتجاجات الواردة من طهران مقابل أن يمزق عبد المنعم الخطيب الاحتجاجات الصادرة من بغداد. وبذلك كما قال، جرى بين البلدين تبادل تمزيق الاحتجاجات.

وكان أثناء ذلك بهاء الدين نوري سفيرا للعراق في طهران. بيد أنه شقي بموظف مولع بالتملق والادعاء. دخل يوما مكتب السفير وقال له إنه سمع توا من مصدر موثوق به أن الحكومة الإيرانية قدمت استقالتها. لم يعبأ السفير بالخبر. فعاد الموظف ليؤكد على أسماع السيد بهاء الدين نوري ضرورة إبلاغ بغداد بالنبأ حسب التعليمات التي بيدهم. قال له السفير، حسنا يا ولدي، هات الشفرة واكتب ما أمليه عليك: «لقد بلغنا من مصادر غير موثوق بها أن...».

كان مزاحم الباججي، رئيس الحكومة العراقية، يعاني من الطرش. ساعده ذلك على التعامل مع نواب المعارضة العراقية. كلما تعالى صياحهم وهجومهم عليه في المجلس نزع السماعة من أذنيه وتركهم يهذون. غير أن طرشه هذا تسبب في طرد السيد باهر فايق، المدير في وزارة الخارجية.

كانت والدتي تقول عن طرش والدي إن الطرشان لا يسمعون ما لا يهمهم ولكنهم يسمعون جيدا ما يعنيهم. فتح باهر فايق التلفون على رئيس الوزراء ليخبره بوصول احتجاج شديد اللهجة من تركيا. راح يكرر الكلام والباججي يكرر: «شنو؟ ما سمعت!». أخيرا ضاق السيد باهر فوضع يده على السماعة وتمتم ساخرا بصوت واطئ: «وصلنا من تركيا بيض نمل!». فسمعه رئيس الوزراء وأوعز فورا بطرد هذا الموظف القليل الاحترام.

www.kishtainiat.blogspot.com