صباح الخير أيها السلام

TT

نقلا عن «روزا اليوسف» اليومية، صوتت الجمعية العامة بالإجماع عام 2001 على أن يكون 21 سبتمبر عيدا للسلام، هو يوم لنبذ العنف ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات وتعزيز حقوق الإنسان و.. و.. و.. وتنفيذا لقرار الأمم المتحدة ينظم معهد دراسات السلام التابع لحركة سوزان مبارك الدولية للسلام احتفالية في مكتبة الإسكندرية، تشارك فيه الفنانة يسرا بوصفها سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة. وسيرتدي كل المشتركين الملابس البيضاء.

نلاحظ في الخبر اختفاء سفيرين هما عادل إمام وحسين فهمي. هما بالفعل سفيران للأمم المتحدة، ولكن ليس للنوايا الحسنة، ولكن لنوايا أخرى، ولكل امرئ ما نوى. وربما تكون دعوة يسرا وحدها إلى الاحتفالية هو رغبة المسؤولين عنها فى وضعها في إيد أمينة. ولقد كان من المتوقع دعوة الأستاذ يحيى الفخراني غير أن ما تردد أخيرا من شائعات حول حصوله بدون وجه حق على مبلغ مليونين جنيه من الشركة التي يعمل بها (راجع مسلسل شرف فتح الباب) كانت هي السبب في عدم دعوته.

أسعدنى الخبر، وكنت على يقين من دعوتي إلى الاحتفالية تقديرا لدوري في السلام، ناديت على مديرة منزلي الفلبينية: يا كريستين.. هل جاءتني دعوة من الأمم المتحدة.. أو من معهد دراسات السلام.. أو من مكتبة الإسكندرية لحضور الاحتفالية بيوم السلام العالمي.

ردت كريستين: لا يا سيدي..

الواقع أنه لا توجد لدى مديرة منزل فلبينية أو من أي جنسية أخرى، ولكنها أصول السرد والحكاية خصوصا هذه الأيام التي تحتم علينا اختراع الأشياء التي لا وجود لها وذلك لزوم الإحساس بأننا على ما يرام. غير أن المناسبة أسعدتني، ما أجمل أن يحتفل الناس بما تدعو أنت إليه بالرغم من حرصهم على إنكار دورك فيه. نزلت الى الشارع وقد عزمت على فرض السلام على كل الناس مهما كلفني الأمر. كان أول شخص اصطدمت به هو سايس الجراج، قال لي وهو يبتسم في براءة: صباح الخير يا بيه.

غلت الدماء في عروقي وصحت فيه مستنكرا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. لا تقل صباح الخير في يوم السلام العالمي.. قل السلام عليكم.

شعر الرجل بالفزع وقال بصوت مرتجف: أنا آسف يا بيه.. معلهش.. أصل أنا جاهل يابيه وحكاية صباح الخير دي عادة سيئة اكتسبتها من أهلي.. لقد تربيت عليها.. أهلي وكل الناس في قريتي ، في الصباح كانوا يقولون لبعضهم البعض صباح الخير.. آسف.. السلام عليكم..

ورددت عليه: وعليكم يا سيدي.. اسمع يا بني.. أنا عارف طبعا إنها عادة سيئة مارسها آباؤك وأجدادك من قبل لآلاف السنين.. هي عادة سيئة غير أنهم كانوا يمارسونها بحسن نية.. وكان القصد منها هو أن يذكر البشر في الصباح بعضهم البعض بالخير.. في الغالب كان الهدف من هذه التحية فعل الخير وتوقع الخير.. كان ذلك قبل أن يكتسح السلام المنطقة ويظللها بأجنحته..

وهنا تدخل بواب العمارة وقال: وهل الخير يتعارض مع السلام يا سعادة البيه..؟ عندما أطلب لك الخير وأحييك بالخير هل يتعارض ذلك مع السلام.. الهدف الأصيل للسلام هو أن تتفرغ الناس لصنع الخير لأنفسهم وللآخرين.. الخير هو الهدف من السلام.. وعندما نقول صباح الخير أو مساء الخير فنحن نصل مباشرة إلى هدفنا من السلام الذي نعبر عنه.. بالسلام عليكم.. الواد ما غلطش لما قال لك صباح الخير.

كنت أعرف أن البواب حاصل على قدر ضئيل من التعليم يدفعه للتفلسف والسفسطة فقلت له: هذا اليوم بالتحديد له قدسية سلامية خاصة.. هناك احتفالية اليوم به في مكتبة الاسكندرية، وهو قرار من الأمم المتحدة فهل أنت ملتزم بقرارات الأمم المتحدة أم لا؟

فأجاب بسرعة وخوف: ملتزم يابيه.. أنا ملتزم بكل قرارات الأمم المتحدة وأولها القرار 242 والقرار 338 وسلام شامل وكامل وعادل وعودة اللاجئين والقدس عاصمة فلسطينية.. ولما كل ده يحصل هاحتفل بالسلام وأقول لحضرتك كل يوم الصبح سلامو عليكم.. وأي حد أسمعه بيقول صباح الخير، حامسكه أضربه أو أبلغ عنه شرطة السلام. في تلك اللحظة خرج من الأسانسير الأستاذ وهبة وهو أستاذ جامعي متخصص في الفلسفة وتاريخ العصور الوسطى، استمع إلى جانب من الحوار بيني وبين البواب وقال: في الصحراء أنت تجلس أمام خيمتك تنظر أمامك حيث البصر يمتد إلى ما لا نهاية.. وفجأة ترى نقطة سوداء.. النقطة تقترب منك إلى أن تتشكل على هيئة شخص أنت عاجز عن تبين ملامحه.. عندها ستشعر بالخوف.. هل هو عدو؟.. هل هو صديق؟.. على الفور ستمسك بمقبض سيفك وتستعد لمقاتلة هذا الشاب الغريب.. في هذه اللحظة سيصيح هو من بعيد وبصوت قوى: السلام عليكم..

وحتى في العصر الحديث عندما تكون جالسا مع عدد من الناس في مقهى مثلا ويدخل عليكم شخص غريب فمن الطبيعي أن يقول: السلام عليكم..

فرددت عليه بغضب: نعم ياسيدي الأستاذ.. أعرف ذلك واكثر منه.. وأعرف أن المصريين اخترعوا عشرات التعبيرات لتحية بعضهم البعض.. ومنها صباح النور.. وأحلى صباح.. وصباح الفل.. ومساء الخير.. ومائة مسا.. وسعيدة وليلتك سعيدة ونهارك سعيد.. ولكن ذلك كله كان قبل الاحتفال بيوم السلام العالمي.. السلام عليكم.

تركته غاضبا وركبت سيارتي وفي إشارة المرور اقترب مني شخص عجوز وقال لي في توسل: نهارك أبيض يابيه.. إديني حاجة لله..

في تلك اللحظة فقدت سيطرتي على أعصابي وأمسكته من رقبته وأخذت أضربها في الدريكسيون وأنا أصرخ فيه: بتقول لي نهارك أبيض في يوم السلام العالمي يا وغد يا عديم الإحساس بالسلام .. أمال هاتقول لي سلامو عليكم امتى؟