لا يهم إذا كانوا مليون شهيد

TT

لم تهدأ العاصفة في الجزائر بعد التصريحات التي أطلقها البرلماني المعارض نور الدين آيت حمودة مشككاً فيها بعدد الشهداء الجزائريين في معركة الاستقلال ضد فرنسا، حيث اعتبر أنها أرقام غير صحيحة قدمها الرئيس السابق أحمد بن بيلا.

تصريحات حمودة صدمة ليس للجزائريين وحسب، بل للعالم العربي الذي ظل يلقن أطفاله منذ الصغر أن الجزائر بلد المليون شهيد. لم يرق لخصوم حمودة ما قاله، فطالبوا بتجميد عضويته البرلمانية ومقاضاته. ووصفوه بأنه «ابن فرنسا»، وذلك يعني تخوينه، على الرغم من أنه ابن أحد شهداء حرب الاستقلال.

الأهمية هنا ليست في عدد الشهداء، بل في ما إذا كان ما قدِّمَ من تضحيات يساوي حجم المنجز اليوم. فكل وطن يستحق التضحية، ولكن يجب ألا تكون التضحية شعاراتٍ وطيشاً وتضليلاً.

والأهمية أيضا، والحديث هنا ليس عن الجزائر وحدها، هي هل تم الحفاظ على ما قدم الشهداء دماءهم من أجله؟ وهل كل الحروب التي تخاض في منطقتنا تنقلنا إلى عالم أفضل؟ وهل كلها حروب مقدسة كما يتم تصويرها؟

عندما نبدأ التفكير جيداً في هذه المسائل سنصل إلى وعي بحجم وفداحة كارثة ما يحدث في بعض دولنا العربية، من دم ودمار وانتهاك للحرمات، تحت شعارات مختلفة، وبحجة أن لا صوتَ يعلو على صوت المعركة!

تحرير الأوطان وحمايتها أمر مقدس، لكن هل يجوز استغلال هذا الأمر من أجل القمع الداخلي أو إشعال حروب أخرى تحت حجج واهية؟ بالطبع لا، لكن ولأن الإنسان لا قيمة له للأسف في بعض دولنا الثورية، فقد أصبح لدينا ماضٍ قريب، وحاضر نعيشه لم يخلف إلا الحروب والدمار، وويل لمن يتساءل!

فقد قدم السودان قرابة مليوني قتيل وجريح في حروب طاحنة، ووصم كثير ممن عارضوها بالخيانة. وما النتيجة اليوم، كيف كان حال السودان وماذا أصبح؟ وها هو الصومال الذي لم يعد يجدي فيه السؤال عن عدد الضحايا، شيئاً، بعد أن تفتت البلد بأكمله!

الأمر نفسه ينطبق على العراق، فمِن مليون قتيل في حرب الثماني سنوات مع إيران إلى واقعه المأساوي اليوم. وها هو لبنان، قدم في حربه الأخيرة مع إسرائيل 1200 قتيل، وخسائر تجاوزت 5 مليارات دولار، مقابل ماذا، سؤال ما يزال قائما؟

وهنا سيقول قائل: وماذا عن الاحتلال الإسرائيلي؟ والسؤال بالطبع مستمر، فما الذي تحقق أيضاً؟ فلو كان للإنسان العربي قيمة تذكر لكان للحروب والسلم مع إسرائيل قواعد مختلفة.

فها نحن اليوم أمام واقع صراع فلسطيني ـ فلسطيني، بعد انقلاب حماس، والقائمة تطول.

ولذا، فالمهم ليس عدد القتلى، فدم الإنسان الواحد لا يقدر بثمن، وإنما المهم هو هل قامت على إثر كل تلك التضحيات أوطان تساوي ربع ما قدِّمَ من دماءٍ؟ لن أجيب، فقط تأملوا من حولكم، سياسياً، واقتصادياً، وتعليمياً، وصحياً، وثقافياً، لتتعرفوا على الإجابة في بعض الدول، وتعرفوا كيف أن دماء الضحايا في جل مناطقنا العربية الثورية ذهبت سدًى، إما بسبب طيش زعيم، وإما بسبب قائد ميليشيا رأى أنه فوق الجميع!

[email protected]