فلافل

TT

يحكى ان رجلا سمع بأن زوجته تستقبل في غيابه رجلا في بيته. ولما كثر الهمز واللمز قرر صاحبنا ان ينتقم لكرامته. وفي احدى الليالي تربص تحت سلم العمارة في الظلام، وما ان رأى الرجل الغريب وهو نازل فوق درجات السلم خارجا من شقة الزوجة حتى وثب امامه في الظلام وقال: بخ. فانتفض صاحبنا من الخضة. فاذا بالزوج المغوار يقول له: كل يوم من ده يا لئيم.

طرفة شعبية تذكرتها حين قرأت جانبا من اخبار قضية نشرت تفاصيلها الغارديان البريطانية. فقد اتهم فادي عبود، رئيس منظمة ترعى مصالح رجال الصناعة في لبنان، اسرائيل باغتصاب حق تسويق الفلافل على انها طعام اسرائيلي واصر على ان الفلافل لبنانية ولا بد ان يحظر تسويقها الا على انها طعام لبناني، وكأن ما اغتصبته اسرائيل في السنوات الستين الماضية يهون الا في ما يختص بالاقراص المقلية داخل الرغيف الساخن وما يصاحبها من محفزات الشهية. وليس معنى هذا ان نسكت تماما بما ان اليونان ردعت الدانمارك وهولندا في ما يتعلق بجبن الفيتا واستخرجت قرارا من السوق الاوروبية المشتركة يمنع هاتين الدولتين من تسويق الفيتا الا على انها جبن يوناني.

ما لفت انتباهي هو ان الفلافل يعود تاريخها الى ما قبل رسم الحدود اللبنانية بكثير. فهي طعام عرفه قدماء المصريين ومن بعدهم استمر اقباط مصر في صنعها بعد دخول المسيحية ثم بعد الفتح الاسلامي استمرت بين المسلمين والاقباط كطعام شعبي اصيل ورخيص ومغذ. ثم انتقلت الفلافل شمالا الى سورية وفلسطين قبل 4000 عام وادخل الحمص كبديل للفول في اعدادها. ولا شك ان اليهود العرب شاركوا في صنعها والاستمتاع بمذاقها ورخص اسعارها ونقلوها معهم حين اغتصبت ارض فلسطين وهاجر اليها من هاجر من اليهود في خمسينات القرن الماضي. في البدايات كان هؤلاء يعترفون ان الفلافل مصرية، لكنهم وبالتدريج كفوا عن ذكر مصرية الفلافل واكتفوا بوصفها على انها طعام يهودي يؤكل في اسرائيل ويصدر الى الخارج ويباع الان في كل فروع «ماركس اند سبنسر» حول العالم. وقد اعترف احد الاساتذة اليهود، واسمه اميال ألكالاي استاذ الثقافة الشرقية، بأن الفلافل في الثقافة الاسرائيلية هي نموذج للاستيلاء الكامل على اشياء الغير، نسبة الى تجاهل اصولها المصرية.

ذات مساء في مدينة برشلونة حدثتني سيدة اسرائيلية التقيت بها مصادفة حين جاورتني في احد المطاعم، فقالت بحماس ظاهر انها عثرت في برشلونة على محل يبيع الفلافل الاسرائيلية. وعرضت ان تعطيني عنوانه، فشكرتها بلطف وقلت لها انني اعد الفلافل بنفسي في بيتي. ففغرت فاها دهشة وعجبا. فقلت لها لا تدهشي سيدتي لأن صنع الفلافل تقليد توارثناه عبر آلاف السنين وانتقل من عندنا الى انحاء كثيرة في العالم ومنها اسرائيل، واشرت اليها ان تقرأ تعريف الفلافل وتاريخها على موقع غوغل في الانترنت، ولسان حالي يقول «وشهد شاهد من أهلها»، حيث ان الموقع يؤكد مصرية الفلافل وهو موقع معلوماتي مؤسسه يهودي.

في ظل الازمة الاقتصادية التي يمر بها العالم ستبقى الفلافل ويتراجع الكباب والشاورمة والهامبورغر المستورد. وبدلا من ان ينشأ بيننا جدل على مصرية او لبنانية الفلافل أتمنى ان نكون جبهة متحدة للمطالبة بالاعتراف بأن الفلافل أكلة شعبية عربية. مع تحياتي لبربر في بيروت والتابعي في القاهرة.