تكوروا وتدحرجوا

TT

يقول (دورنمارت): إنه لا يمكن للمرء الإقبال على جنون هذا العالم ومعالجته بأي حال من الأحوال إلاّ عن طريق (الكوميديا).

ويمضي قائلا: وإنني لا أعتقد أنه باستطاعة إنسان ضاحك أن يطلق النار على إنسان ضاحك آخر، ومن يدري فربما تحولت القهقهة العظيمة إلى حمامة السلام الموحدة للشعوب، وأنا بدوري أتوق إلى تقديم مساهمتي المتواضعة في هذا المجال».

يشكر (دورنمارت) على مساهمته، ولكنه نسي أن الضحك لم يعد حائلا دون إطلاق الرصاص، فما أكثر القتلة المحترفين والضاحكين في هذه الأيام.

على أية حال فإن أروع الناس هو من يجيد الضحك ويجيد في نفس الوقت البكاء كذلك.. ولا يمكن للإنسان أن يتعايش بكفاءة واتزان مع جنون هذا العالم، إذا لم يكن يجيد فن هذين النقيضين.. ومثلما يقولون: فشر البلية ما يضحك، كذلك مثلما أقول أنا: ففرط السعادة ما يبكي.

ولكن مم يضحك الإنسان؟!

من المؤكد أن يجزم شخص ما على أنه يضحك إذا (تدغدغ) مثلا، أو إذا شاهد وسمع الناس يضحكون فأصابته تلك العدوى، أو عندما ألقيت على مسامعه نكتة.

ولكن كل تلك المسوغات التي ذكرتها غير مقنعة وسطحية وساذجة.

فالذي يبعث على الضحك ويهز الإنسان من الأعماق ما هو إلاّ (المفارقات)، التي تحصل للغني والفقير، والجاهل والمتعلم، والقوي والضعيف، والصحيح والمريض، والقبيح والجميل، في كل أنحاء العالم وشعوبه بمختلف أجناسهم وألوانهم.

فالنكتة وقتية ولا تؤدي الغرض العميق، وقد تكون هناك نكتة ظريفة يهتز لها الإنسان المصري ضاحكاً في حين أن رجل البادية مثلا لا تعني له شيئاً، بل أنه قد يضحك مستعجباً من ضحكات المصري عليها، وقد يصفه بالهبل أو الغباء.

وفي دراسة واقعية على 1200 موقف ضاحك ثبت أن الإنسان يضحك من الوقائع والأحداث اليومية أكثر مما يضحك للنكات.

ويقال إن الأطفال الأسوياء يضحكون قرابة 400 مرة يومياً، بينما يضحك الكبار 15 مرة تقريباً، ويكاد المكتئبون لا يضحكون على الإطلاق.

والفيلسوف (كانت) يعتبر الضحك (ذكورياً)، والبكاء (أنثوياً).. وهذه وجهة نظر غير مؤكدة.

وهناك أمور لا أجد أنها مدعاة للضحك، رغم أنها عند البعض تعتبر هي قمة الفكاهة مثلما كان يحصل في العصور القديمة التي امتلأت كتب التاريخ بأحداثها عندما كان المرء في ذلك الزمان يجد في السخرية القاسية من الأشخاص المعوقين شيئاً مضحكاً، أو عندما يتسلى زوار حديقة الحيوان في الصين برمي الكتاكيت الصغيرة الحية في فم التماسيح وهم يتضاحكون، أو عندما ينفجر أغلب الألمان ضاحكين وهم يتفرجون ويستمعون للنكات البذيئة في التلفزيون.

وقبل مدة قلت لأحدهم إن بعض الأطفال الصغار عندما يضحكون يبدأون بالتكور والتدحرج على الأرض، وإذا أردت السعادة الحقيقية فلا تحرم نفسك من براءة الطفولة، وقد تأثر بنصيحتي، وأصبح من يومها لا يضحك إلا وهو يتكور على نفسه ثم يتدحرج على الأرض أمام الجميع، وأنا بدوري أقدم هذه النصيحة لكل قارئ وقارئة: إذا ضحكتم تكورّوا وتدحرّجوا على الأرض.

المهم: انتبهوا إلى ملابسكم واحكموها جيداً على أجسادكم وأنتم تفعلون ذلك.

أرجوكم لا تسببوا لنا فضيحة.

[email protected]