لم يبق الكثير!

TT

انتهت المناظرة الأخيرة بين مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ العد التنازلي المحموم لليوم الانتخابي الأخير وقد ظهر المرشحان بأسلوب مغاير تماما يعكس الحال الذي وصلت إليه الولايات المتحدة سياسيا اليوم. ظهر المرشح الجمهوري جون ماكين غاضبا، شرسا أشبه بطفل صغير يصرخ طلبا «للعبته»، وهو يذكرنا بالجنرال ميشال عون في لبنان ونهجه السياسي وتعاطيه مع مخالفيه في الرأي، بدا مضطربا غير قادر عن الانفصال عن جورج بوش وسياساته المدمرة (وهو لن يكون مقنعا لو حاول الآن نظرا لأن الوقت بات متأخرا، إضافة لأنه توافق مع جورج بوش في ما يقارب من 95% من قراراته!)، بينما بدا باراك أوباما أكثر هدوءا وتوازنا وثقة بالنفس بل وأكثر أدبا. لم يعد هناك «مساحة» للجمهوريين أن يتحركوا فيها، فالسجل المعيب للإدارة الأمريكية الحالية جعل من الدفاع عن «إنجازاتها» أشبه بمونولوج كوميدي، وبات مشهد تحول الكثير من الناخبين المسجلين كجمهوريين إلى ديمقراطيين مألوفا جدا. ولقد وصل الحال «المتدني» لصورة جورج بوش الذهنية لدى الأمريكي أنه وفي لقاء تلفزيوني أخير على شاشة محطة السي. إن. إن المعروفة وصفه أحد الضيوف «بالأحمق الدائم غير المفاجئ» ولم يعترض المذيع أو يحتج الضيف الآخر أو تتناقلها الأخبار، فهو الرئيس صاحب أقل درجات الرضا عن أدائه بحسب استفتاءات واستطلاعات الرأي العامة في تاريخ هذه الاستطلاعات. جون ماكين ما هو إلا «استمرار» لجورج بوش، وسياساته إلى حد كبير تؤكد أنه تكرار لما كان، وحتما هناك مجموعة من القرارات التي اتخذها تؤكد أن نظرته للسياسات والأمور تفتقد للكثير من الحكمة المطلوبة ولعل أهمها وأبرزها هو قرار اختياره لسارة بالين لمنصب المرشح لنائب الرئيس، فملكة الجمال السابقة وحاكمة ولاية آلاسكا تملك قدرا من الفهم للعلاقات الدولية وتوابعها بقدر إلمامي باللغة الكورية! وهناك طرفة تقول إن ماكين اختار بالين وكأنها بوليصة تأمين على حياته، فهو سيضمن أن أحدا لن يجرؤ على الإقدام على اغتياله لأنه في حالة حصول ذلك ستكون سارة بالين هي الرئيس وهذا وحده أمر مفزع.

العالم عموما والعرب تحديدا لا يستطيعون التصويت في الانتخابات الأمريكية، ولكن استطلاعات الرأي في كل منطقة من العالم تتأمل في وصول باراك أوباما لسدة الحكم وبنسبة عالية جدا وفي ذلك رسالة بالغة الأهمية للناخب الأمريكي الراغب في إعادة بناء جسور الثقة بينه وبلاده وبين سائر الأسرة الدولية. يتابع العالم الانتخابات الأمريكية وأحداثها بل وحتى المناظرات نفسها كمن يتابع مباريات كأس العالم أو ألعاب الدورة الاولمبية، بمنتهى الحماس والجدية والإثارة. وصفت هذه الانتخابات بأنها الأهم والأخطر والأدق وأن فيها صرفا على الحملة غير مسبوق وأنها ستصنع التاريخ وغير ذلك من العبارات الدرامية والمهمة، ولكن المسألة ببساطة أنها انتخابات رئاسية للدولة الأهم في العالم والعالم يترقب أي اتجاه ستسير فيه القوة الأكبر اليوم. الساعة الرملية أشرفت على الانتهاء على حقبة رئاسية سيئة في تاريخ أمريكا، وأمريكا نفسها تستعد لصناعة تاريخ جديد تطوي فيه صفحة مهمة من صفحات الاضطهاد والتفرقة لتحرجهم بذلك وتجبرهم على مراجعة أنفسهم بخجل ويتبعوا هذه الخطوة الأخلاقية.

[email protected]