الشبك.. معركة الهوية!

TT

كانت المعركة حامية ضد قرار البرلمان العراقي بإلغائه للمادة خمسين من قانون انتخابات المحافظات، وبعد الإصرار على تمثيل ما يُعرف بالأقليات ـ مع أن جذور أو أصول هؤلاء ضاربة القِدم في الأرض العراقية تتنافى مع هذه التسمية ـ نجح الساعون إلى ردِّ هذا القرار، وظلت معركة الشبك قائمة، بين النزوع إلى إثبات استقلالهم العرقي، حتى وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات داخل البرلمان، وقد أشير إلى مَنْ رضوا بالإنتماء الكُردي، من الشبكيين، أنهم عملاء.

يصعب فرز الشبك على أساس ديانة أو مذهب، مثلما يشاع عنهم، فهم كبقية المسلمين العراقيين، منهم السُنَّة ومنهم الشيعة، لكن، يسعى منتسبوها إلى تثبيت حقوق قومية، بالاعتراض على مَنْ يعتبرهم من القومية الكُردية، وآخر يعتبرهم قوماً من أهل فارس. وعلى العموم تكاثرت حولهم الأقاويل والاحتمالات. منهم مَنْ أقتنع أنه صاحب لغة مستقلة عن الكُردية أو الفارسية، وراح يرسم لها أبجدية، قد تختلف بحرف أو حرفين عن اللغات المحيطة. وآخر أقتنع بما كُتب عنهم بأنهم من القوم الغلاة، ونسى ما بينهم من السُنَّة الشافعية، وآخرون ذكروا أنهم من قبيلة الشاباك، وهذه هي علة التسمية.

سألت أحد الشبكيين، من قرية الدراويش التابعة لناحية بعشيقة، من أعمال الموصل، وهو شبكي شيعي، ولم أجد فيه ما يختلف عن غيره من شيعة العراق. كذلك تَعرفت بشبكي سُنَّي شافعي، لم أجد فيه ما يختلف عن بقية كورد العراق، ولم أجد ما يميزه عن سُنَّة العراق عامة. والأثنان تحدثا عن غرابتهما مما يُنسب إلى الشبك من دين خاص أو مذهب، مثلما قدمتهم دراسات وآراء عديدة سابقة، وكان الغالب منها معتمداً على رواية شخص هجر قومه الشبك وعاد إلى الإسلام الصحيح!

بيد أن المحيط يفرض نوعاً من الانسجام والتداخل، كشراكة في المزارات والأضرحة، هذا ما نفهمه من مخالطة حول مزار أحد سادة البكتاشية بقرية من القرى المشتركة السكان. ففي القرية نفسها يوجد مقام للإيزيدية، ويزورونه الشبكيون بالاختلاط مع الأيزيدية، ومقام آخر يجمعهم مع فرقة الكاكائية، وهو مقام علي رش، أي الإمام زين العابدين. ولهم صلات حسنة مع المسيحيين ببعشيقة، يفرضها الجوار، ولا يؤثر فيها سلباً المذهب أو الدين.

إلا أن القضية المطروحة حالياً من قبل شبكيين، وليس الشبك كلهم، هي قضية سياسية بالأساس، والتي منها محاولة تأكيد حقوق قومية، على أنهم قومية قائمة بنفسها عن محيطها الكُردي والعربي على حد سواء. ومعلوم، كان إحصاء الشبكيين يجري جمعاً مع الأيزيديين. أما إحصاء 1977 فلم يذكر عنهم ولا عن الكاكائية شيئاً، وأتت في جداول الإحصاء عبارة «غير مبين»، ولا يُعلم شيء عن قومية أو ديانة هذه الفئة، كذلك فصل الإحصاء بين الكُرد والكُرد الفيليين، بينما يجري الحديث الآن عن القومية الكُردية التي تضم الجميع، وحُددت على أبعاد انتشارها خارطة إقليم كُردستان ـ العراق.

قضية الشبك، غير المأخوذة على محمل الجد، لا في الدستور الأخير، ولا في البرلمان العراقي، من القضايا المنشطرة عن تغييب الهوية الوطنية، وتقديم القومية أو المذهب عليها، وهي انشطارات قد لا تجد لها نهاية. فمثلما لم تتمكن القومية من ضبط تركمان العراق تحت رايتها حيث تم الإنشطار على أساس الشيعة والسُنَّة، كذلك هل سيجمع الشبك الإطار القومي حسب، من دون الانفلاق على أساس المذهب أيضاً! وهل سيجد الكُرد الفيليين مكانهم الطبيعي داخل القومية الكُردية مع اختلاف المذهب! إنها قضية معقدة ستقود إلى جزأرة الأوطان والقوميات إذا لم يجمعها جامع هو المواطنة! وما هو مستقبل تلك الجزر، وعلاقة الصغار بالكبار منها في حالة ظهور النزعات الأخرى باسم المذهب أو العشيرة أو الطريقة الصوفية مثلا!

بسبب عدم ترسيخ فكرة القومية الشبكية، وإعلانها بوضوح، من قبل، جعل الآخرين يترددون في معاملتهم بهذا الحق، بينما السائر ما ذهب إليه المؤرخ محمد أمين زكي: «توجد في لواء الموصل طائفة أخرى تذكر بأسماء: شارلي، وباجوان والشاباك، فهذه الطائفة أيضاً بأقسامها الثلاثة كردية بحتة، ويؤيد هذا أيضاً تقرير عصبة الأمم حيث ينص في صفحة (60) أن لغة هذه الطائفة أيضاً كردية، ولكنها قاسية خليطة وغير فقهية» (تاريخ الكرد وكردستان).

قد تبدو مطالب، فريق من الشبك، بالوجود القومي خارج الأمة الكُردية، التي يصر زعماؤها على كُردية هذه الجماعة، صغيرة وجزئية في فلك السياسة العراقية، إلا أنها إشارة إنذار إلى كراهيات أو نزاعات محتملة. إنها معركة هويات، وما خلفها من هواجس ومصالح!

[email protected]