الخاسر الأكبر في المناظرة

TT

مع قراءتي للعمود الصحافي الخاص بوليام كريستول في صحيفة «نيويورك تايمز»، اكتشفت أن سارة بالين وأنا نتميز بشيء مشترك. لقد اتصل كريستول، الذي كان في الماضي مدير فريق العمل الخاص بدان كويل، نائب الرئيس الأميركي في عهد بوش الأب، ومن ثم يمكننا أن نقول إنه يحظى بطريقة روجرز تجاه بعض الساسة المحددين، ثم نقول بعد ذلك إنها «ليس لديها رأي جيد بخصوص الاتجاه السائد في الإعلام». وهذا ما نتفق عليه معا. وهذا ليس بسبب بالين كما أنه ليس بسببي. ففي مناظرتها مع جون بايدن، أساءت تصور الخطة الضريبية لباراك أوباما، وعرضه بشأن مقابلة الأعداء والخصوم الأجانب للولايات المتحدة. كما أنها أوجدت سلطات كلية جديدة لمنصب نائب الرئيس، نظرًا لقراءتها الخاطئة للدستور، إن كانت قد قرأته في الأساس. ولقد دعت في مرة إلى أن تختفي الحكومة الفيدرالية فعليًا، وفي اللحظة التالية، استهجنت ضعف مراقبتها للأسواق المالية. وشددت على أنها «لن تجيب على الأسئلة بالطريقة التي يرغب كل من مدير الحوار أو بايدن في سماعها»، وذلك نظرًا إلى أن القواعد لا تنطبق عليها نظرًا إلى كونها والدة صبي يلعب الهوكي، ولكن هل يعد هذا سببًا كافيًا؟ على أي حال، قالت بالين أيضًا إنها، بالإضافة إلى «آخرين في الهيئة التشريعية»، طالبوا ولاية ألاسكا بترك الاستثمارات التي تقوم بها مع شركات لها أعمال مع السودان. ولكن كما اكتشف الباحث الذي لا يكل أبدًا عن الحقائق في صحيفة «واشنطن بوست» فإن تلك الجهود التي تحدثت عنها لم تكن هي من قادتها، بل في الحقيقة، لاقت تلك المبادرة معارضة شديدة من إدارتها، وأنها اقتنعت بعد ذلك بمشروع هذا القانون لكن بعد أن ذهبت به أدراج الرياح.

وبالرغم من هذا كله، رأى الكثير من وسائل الإعلام أنها أبلت بلاء حسنًا. ويمكنني نقل بعض الصيحات والتهليلات التي أطلقها بعض زملائي، إلا أنني سأتجنبها نظرًا للخزي الذي سيتبعهم بالتأكيد حتى بعد وفاتهم. (وقد استغل مدير المناظرة غوين إيفل تلك المناسبة ليأخذ غفوة). وقد حكم بعض زملائي على بالين بأنها مؤدية جيدة، ولمّحوا إلى أن أداءها سيلقى قبولاً واستحسانًا جيدين في المنازل الفارهة ذات حمامات السباحة. ومن أحد الأمثلة الناجحة على ذلك، صحيفة «وول ستريت جورنال» التي ركزت افتتاحيتها (المحافظة) على القراءة الدقيقة للدستور. هل تعجبت وتساءلت ما هو المقصود في عالم بالين بالسلطة التي وجدتها في الدستور بزيادة الدور الذي يقوم «نائب الرئيس إذا ما اختار الضلوع به وممارسته في عمله مع مجلس الشيوخ؟» لقد تجاهلت الصحيفة نظرًا لاحترامها الجم للنساء هذه القضية تمامًا. ومن ثم نرى أن بالين معذورة ومعفية من معرفة واكتشاف الحدود التي يقتضيها المنصب الذي ستشغله.

وبصورة فعلية انتهج أصحاب الأعمدة الصحافية، والمدونون، وضيوف البرامج الحوارية، أخلاق المستشارين والخبراء السياسيين، أسلوب: دع ما يحدث، يحدث. ولا يهم ما قالته بالين. ولكن كل ما يهم هو كيف قالته، وقد وافق كل هؤلاء الملعونين على إشاراتها إلى أوضاع طبقتها العاملة (يتجاوز صافي دخل بالين السنوي مليوني دولار)، واستخدامها غير المميز لكلمة «مستقل»، والتعبيرات المتكررة «للجشع والفساد في وول ستريت». إن بالين تعلم بالفعل أن معيار التأييد لأحد المتناظرين لا يكون عادة ما هو صواب وما هو خطأ، وما هو صدق وما هو كذب، لكنه يتعلق بشريط إبداء الرأي الذي يمر أثناء المناظرة على قناة «سي إن إن»، حيث يقيس مدى استحسان أو رفض بل وربما مستوى خفة الدم لبعض الأفراد. لقد تغيرت الأمور، فالقوة التي كانت تعمل لصالح أحد المرشحين تم استبدالها الآن بغمز إحدى العينين.

وحيث أنني بدأت بكاتب العمود المحافظ بصحيفة «نيويورك تايمز» في ذلك الوقت، فسأنتهي بكاتب العمود الصحافي بها أيضًا منذ سنوات ماضية؛ ألا وهو الكاتب الجدير بالاحترام والإعجاب وليام سافير. ففي عام 1996، وصف هيلاري كلينتون بأنها «كاذبة بالفطرة». لقد كان وصفًا خاطفًا، إلا أنه لازم هيلاري لسنوات وحاولت بشدة أن تبرئ نفسها منه بين الوقت والآخر.

ولكن ماذا عن بالين؟ هل يمكنك توقع رد فعل الصحافة إذا ما كانت هيلاري قد غمزت للجماهير؟ وهل يمكنك تخيل تعليقات المدونين عبر المدونات السياسية إذا ما طالبت كلينتون بإيقاف الجسر الذي جعل قلبها يخفق؟ وماذا إذا ما أظهرت معرفتها الضئيلة عن الدستور، وإذا لم يكن بمقدورها إخبار كاتي كوريك عن الصحف والمجلات التي تقرأها؟ وإذا ما كانت قد زعمت معرفتها بالشؤون الخارجية على أساس أنها سوف تتعرف على روسيا عند رؤيتها بالعدسة المكبرة؟ ولكن السخرية والتهكم اللذين كان يمكن أن ينهالا على كلينتون ـ يمكنني أن أتخيل افتتاحية «وول ستريت جورنال» ـ قد حُجبا عن بالين. إن الكثير من الاتجاهات السائدة في الإعلام تعمل على تكرار بعض العبارات كالببغاء، ومن ذلك: «الجشع والفساد، الجشع والفساد، الجشع والفساد» كما أنها تمنح من يقول ذلك درجة النجاح، أو ربما درجة أفضل. وأنا أتفق مع بالين، حيث إن الاتجاه السائد في الإعلام هو الذي سقط.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»