أكبر هزيمة وأعظم انتصار معا!

TT

أجدادنا الفراعنة صوروا الكاتب جالسا القرفصاء.. وقيل في تفسير ذلك إنه في انتظار الناس. وقيل إنه في صحة جيدة. فقد استقام ظهره وانفتحت عيناه ووضع الورق على ركبتيه ـ وهي فعلا جلسة صعبة لا يقدر عليها إلا الشباب. فالكاتب اليوم قد انكسر عقله وظهره وقد انكفأ على الورق أو على الانترنت أو على الآلة الكاتبة.. ولم يعد قادرا على هذه الجلسة الصعبة حتى في المسجد ـ هذا إن كان يصلي..

ولكن رأيت صورة لطائر اسمه (الطائر الكاتب) طويل الذيل والساقين. رشيق وفي غاية الصحة والعافية.. وسموه الكاتب لأن له ريشا يخرج من دماغه كأن الريش هي الأقلام التي يضعها الكتبة البيروقراطيون وراء آذانهم ـ وهو ما لا يفعله الكاتب هذه الأيام ـ فبعض الكتاب لا يحتاج إلى قلم لأنهم لا يقرأون ولا يكتبون مثل هوميروس وأبي العلاء وطه حسين والأديب الإيطالي بابيتى وفي آخر أيامه كان الشاعر الألماني هيلدرلن والفيلسوف الالمانى نيتشه..

هذا الطائر (الكاتب) الذي لا يكتب صورة مثالية لما يتمناه الكاتب:

صحة وعافية ورشاقة. ويقضي معظم وقته ماشيا بين الأعشاب في المناطق الحارة شمال وجنوب خط الاستواء..

ولكن وجدت شبها لا بأس به بيننا، وهو أنه لا يبني أعشاشه إلا فوق أغصان أشجار الأكاسيا أي أشجار السنط الشائكة. فينام ويصحو في خطر. وقد اختار هو هذا الخطر. وهناك طائر آخر اسمه (طائر الشوك).. هذا الطائر إذا وافته منيته فإنه يلف ويدور حول هذه الأشجار الشائكة ويختار أطول الأشواك ويلقي بنفسه عليها ويصرخ أقوى صرخة وآخر صرخة في حياته..

بعض الأدباء أحسوا بالنهاية فاختاروا أن يتوقفوا عن الحياة. فعلها في عصرنا الحديث مفكرنا الكبير زكي نجيب محمود وانتحر جمال حمدان وانتحرت المطربة المصرية داليدا.. فالتقت الهزيمة مع أعظم انتصار!