بين الفضاء و«وعاء التسول»

TT

فقط تأملوا هذين التصريحين لدولتين متجاورتين. الهند، التي يفوق عدد سكانها المليار نسمة، تقول «نذهب إلى القمر لأول مرة. لقد ذهبت الصين قبلنا، لكن اليوم نحاول اللحاق بهم». أما باكستان، التي يصل عدد سكانها إلى 172 مليون نسمة، فيقول مسؤول مالي فيها إن بلاده تسعى للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لتفادي العجز عن دفع الديون.

يا لها من مفارقة محزنة، بين دولة تحتفل بصعودها إلى الفضاء، ودولة تئنُّ من وطأة الدين والخوف من الإفلاس.

فباكستان التي احتفلت قبل ثلاثة أعوام بإنجاز آخر اتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث علق الجنرال برفيز مشرف يومها قائلا «كسرنا وعاء التسول»، وسبق لرئيسها الحالي أن صرح بأن بلاده تفضل أن تربط الأحزمة على أن تستعين بصندوق النقد الدولي، تجد نفسها اليوم في حاجة ملحة للمساعدة المالية، حيث أن هناك تحذيرات من أن اقتصادها يتدهور بشدة، وهذا مؤشر على خطر كبير قادم، فباكستان دولة نووية، يهددها بحر من التطرف الديني.

ومن هنا تأتي خطورة الوضع الباكستاني، ومن حق الدول إنْ هي ترددت في تقديم المساعدة لباكستان اليوم وذلك نظرا للأزمة المالية الخانقة التي تضرب العالم. لكن في الوقت نفسه يبقى هناك خطر وقوع باكستان بيد المتطرفين، وبالتالي تهديد أجزاء حيوية من العالم بسبب ما تملكه باكستان من أسلحة نووية، سيكون وقوعها بيد المتطرفين شبه كارثة عالمية.

فإذا كانت أفغانستان، بجبالها وكهوفها، قد ضربت العالم في مفاصل موجعة، فكيف سيكون الحال في باكستان النووية. ومن هنا على الباكستانيين أولا مراعاة هذا الأمر؛ فبلادهم في حاجة إلى وقفة حقيقية من قبلهم.

قبل مدة جمعنا لقاء بمسؤول أوروبي حضره إعلاميون باكستانيون، وكان الحديث حينها عن الصراع السياسي في باكستان، وكان هناك شبه إجماع على أن لا خطورة على باكستان بسبب الديموقراطية.

واليوم نرى عكس ذلك تماما في باكستان، فهناك فرق أساسي بين السجال الديموقراطي الحيوي، وبين الصراع على النفوذ السياسي أو الشخصي، وما نراه في لبنان يعد أسوأ نموذج لذلك، حيث تطغى المصالح الحزبية أو الفردية على المصلحة الأكبر، وهي مصلحة البلاد.

السجال الديموقراطي مهما استمر أو تشعب في المجتمعات الديموقراطية فهو لا يعصف بالمؤسسات التي تمثل الضامن الحقيقي للدولة، وقد رأينا كيف انجرّت المؤسسات في باكستان للصراع السياسي.

أول الحلول لإنقاذ باكستان لا بد أن يأتي من باكستان، من خلال تحديد المخاطر، والأولويات، وموقف حاسم في محاربة الإرهاب، والصراع السياسي الداخلي. فمشكلة باكستان أنها دولة نووية وحيوية، لكن في داخلها مشاكل تعيق انطلاقها الحقيقي.

ولذا فإن إهمال باكستان كارثة، وإنقاذها في هذه الظروف الاقتصادية يحتاج إلى معجزة. وحالها يدعو إلى التفكير في ما إذا أصبحت إيران نووية أيضا، وهي مهددة اليوم مع انخفاض أسعار البترول، فهل على جيرانها حينها أن يهبوا لإنقاذها لكي لا يقع سلاحها في يد متطرفيها؟ هل من متعظ؟

[email protected]