اللبنانيون والذاكرة المثقوبة

TT

منذ أن طويت صفحة أحداث شهر أيار (مايو) الماضي، حين اجتاح مسلحو «حزب الله» بيروت، وأحكموا السيطرة عليها، لا يزال يسود الوسط الإعلامي اللبناني حالة من الاحتقان والتأزم الذي سبّبته تلك الأيام وما جرى خلالها من اعتداءات على الإعلام والإعلاميين، التي كانت ذروتها إقفال تلفزيون «المستقبل» قسراً وحرق أحد مبانيه.

بعد سبحة المصالحات السياسية، راجت بعض اللقاءات الإعلامية إما عبر برامج تلفزيونية وإما عبر ندوات تنعقد معظمها تحت عنوان مراجعة الأداء الإعلامي خلال مرحلة أحداث أيار وما قبلها.

ولا تخلو تلك المراجعات من توتر وصدام وخفة في كثير من الأحيان مع ميل بعض الإعلاميين إلى تبسيط ما جرى والتعامل معه بمزاح ممجوج أو عبر تكرار شعارات من نوع «لبنان بيساع الكل» و«لبنان بلد الحرية».

ليس جديداً القول إن وسائل الإعلام اللبنانية جميعها تمثل جهات وأطرافا سياسية، وأن الاحتقان السياسي يجد سبيله بالدرجة الأولى عبر هذه الوسائل التي انزلق كثير منها إلى لغة وأداء لا يرتقي بأي حال إلى المهنية التي يرجوها الجميع، أو البعض على الأقل.

آخر ما أبدعته تلك المحاولات «النقدية»، ندوة عبر قناة «أو تي في»، التابع لتيار الجنرال ميشال عون، الذي قدم خلاله تقريراً عن ما وصفه بممارسات السلطة ضد الإعلام خلال حقبة التسعينات، لنصل إلى نتيجة ـ بحسب ما ورد ـ أن الضحية الأولى والوحيدة هو الجنرال عون (من دون الإشارة إلى دور سورية في تلك المرحلة). بل لم تتردد مقدمة الندوة من الإعلان بأن تلفزيون «المستقبل» أُقفل بفعل «تحرك شعبي».

هذا الاجتزاء الذي تضمنه الشريط على نحو فادح وحديث المذيعة عن «تحرك شعبي»، هو بدوره انعكاس لطغيان الانقسام الطائفي على أداء وسائل الإعلام اللبنانية. التيار العوني المشرف على محطة «أو تي في»، لم ير ضيراً في إقفال «حزب الله» لوسيلة إعلامية لبنانية، وتوصيف ذلك بأنه «تحرك شعبي»، وهو إذ فعل ذلك كان مسرح فعلته حلقة تدّعي أنها بصدد مناقشة حرية الإعلام.

إنها مشكلتنا مع الذاكرة المثقوبة. فالندوة أتت بعد أشهر قليلة على حادثة الاستهداف الشهيرة، وهي أحدث ما تعرض له القطاع الإعلامي زمنياً.

مفارقة أخرى في الندوة نفسها كانت استغراب مراسل «المنار» لعدم صمود موظفي «المستقبل» في وجه اقتحام مسلحي الحزب، الذي يعمل هو في وسيلته الإعلامية، ضارباً مثلا لم يكن موفقاً فيه، إذ ساوى بين استهداف إسرائيل لمحطته وصمود موظفي المحطة واستهداف مسلحي الحزب للمستقبل وعدم صمود موظفيها. فهل نساوي بين إسرائيل و«حزب الله»؟!.

إنه غيض من فيض ما حفلت به الحلقة.. ومرة أخرى نضح الإناء بما فيه. الإعلام اللبناني مرآة هشة لانقسامات لا تعدم مَن يوقظها.

الأجواء اليوم في لبنان أجواء مصالحات.. هذا ما كرره غالبية المشاركين في الحلقة، وأجواء المصالحات هذه تخلي الساحة لوقائع مجردة من الظروف السياسية التي لابستها. فماذا يبقى من وقائع السابع من أيار بعد حصول هذه المصالحات؟

يبقى الحدث عارياً من ظروفه السياسية.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام