إيران: النجاح النووي تزامن مع انهيار اقتصادي

TT

يسود اعتقاد بأن نتائج الانتخابات الأميركية قد تؤثر في فحوى السياسة الإيرانية وحتى في نتائج انتخاباتها الرئاسية التي ستجري في شهر يونيو (حزيران) المقبل. فإذا فاز المرشح الجمهوري جون ماكين، سيُعاد انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. أما إذا فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما، فمن المحتمل انتخاب محافظ، إنما معتدل، إذ ان كل المسؤولين في إيران من المحافظين، وأبرز هؤلاء رئيس بلدية طهران محمد قاليباف الذي يطرح نفسه كمرشح براغماتي يمكن أن يصحح الاقتصاد بما فيه مصلحة الشعب الإيراني.

وهناك محمد علي نجفي وزير الثقافة السابق في عهد هاشمي رفسنجاني، ووزير التخطيط السابق في حكومة الرئيس محمد خاتمي.

كذلك يهيئ الدكتور محمد رضا عارف نفسه، الذي كان النائب الأول للرئيس السابق محمد خاتمي، ويطرح البعض اسم محمد نهاونديان رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم.

الكثيرون من المتابعين في الغرب للتطورات في إيران لا يفهمون ما يجري فيها، خصوصا أن أغلبهم لا يعرف من يحكم إيران. ان المرشد الروحي آية الله علي خامنئي، هو صاحب القرار النهائي. لكن إيران اليوم تختلف عما كانت عليه قبل عشر سنوات، إذ تديرها قوتان: جهاز الاستخبارات الأمنية، وجهاز الحرس الثوري. أما على الصعيد السياسي، فأصبحت تميل أكثر إلى المحافظين، لكن لا يزال شعار الجمهورية الإسلامية الإيرانية: «الموت لأميركا والموت لإسرائيل».

ويوضح البروفيسور الإيراني حسين عسكري من جامعة جورج تاون في واشنطن، ومؤلف عدة كتب حول الشرق الأوسط والاقتصاد النفطي، أن هذه الشعارات تستعمل للقاعدة الشعبية: «تماماً كما أن لأميركا قاعدتها الشعبية، حيث مناهضو المرشح أوباما يقولون إنه مسلم، فإن للمسؤولين الإيرانيين قاعدتهم الشعبية»، لكن هذه الشعارات لا تكبّل إيران لأنها تريد أن تكون جزءاً من المجتمع الدولي.

لذلك «إذا فاز أوباما، فإن الرئيس المقبل لن يكون أحمدي نجاد». فأحمدي نجاد انتقد العالم بطريقة سلبية، وإيران تتطلع إلى بداية جديدة.. «أما إذا كان الرئيس الأميركي المقبل جون ماكين، فإن أحمدي نجاد سيكون الأفضل لمواجهة الولايات المتحدة، وقد تستمر الحرب الآيديولوجية، لأن ماكين عكس أوباما، يريد فرض شروط مسبقة». ويرى البروفيسور عسكري أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تقبل بالشروط، لأن «ما يميزها عن أي دولة أخرى في العالم، بما فيها روسيا والصين، هو أنها لم تطِع أميركا، فكيف يمكن أن يكون هذا محرك تفكيرها ثم تقبل أن تضع أميركا عليها شروطاً مسبقة؟، هذا لن يحدث. ستكون حرباً آيديولوجية ولن تتقدم».

ربما ساهمت الأزمة المالية في أميركا في التخفيف كثيراً من حظوظ المرشح الجمهوري ماكين في الفوز، هذا إذا لم نُشر إلى تمتع المرشح الديمقراطي أوباما بمميزات كثيرة تجعله متفوقاً على ماكين حتى من دون الأزمة المالية.

الأزمة المالية تحولت إلى ركود اقتصادي، بدأت في أميركا وطالت العالم، لكن عدة مسؤولين إيرانيين بينهم الرئيس الحالي أحمدي نجاد، والرئيس السابق محمد خاتمي، اعتبروها غضباً من الله على الغرب، وأن الله وقَى إيران شرها.

لكن، هل يمكن اعتبار رئاسة أحمدي نجاد ناجحة، فهو تحدى العالم وأميركا وتجنب حرباً واستمرت إيران في ظل حكمه تطور برنامجها النووي، ثم ان الديمقراطيين في أميركا يريدون فتح حوار مع إيران. فهل هذه القضايا بالنسبة إلى الكبرياء الإيراني أهم من الفشل الاقتصادي الذي ساد حكم أحمدي نجاد؟

يعترف البروفيسور عسكري بأن أغلبية الإيرانيين ترى أن من حق إيران في ظل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، الاستمرار بتخصيب اليورانيوم، ولا يريد الإيرانيون أن يواجههم أحد بتهمة أنهم يريدون صنع قنبلة «لأن لا أحد يعرف ما يدور في عقل النظام الإيراني».

ربما لا تتفق أغلبية الإيرانيين في عدة أصعدة سياسية مع أحمدي نجاد، إنما على الصعيد النووي، فتعتبره أنه نجح في أن يمارس لعبة منطقية، لعبة مع الإعلام الغربي ومع السياسيين، وأن إيران لم تستسلم. ويقول البروفيسور عسكري: «هذا الشق الناجح من القصة، لكن إذا ذهب الواحد إلى إيران يرى أيضاً أن همَّ أغلبية الإيرانيين هو الوضع الاقتصادي، ففي نظر الإيرانيين، أن بلادهم لم تنجح اقتصادياً».

منذ عشر سنوات ونسبة التضخم في إيران تتراوح ما بين 20% و25%، أما نسبة البطالة فإنها تتجاوز الـ15%، والمعروف أنه طوال السنوات الست الماضيات، كانت أسعار النفط مرتفعة جداً، وكان من المفروض في بلاد تنتج النفط أن تكون ناجحة اقتصادياً، لكن إيران عجزت عن ذلك.

لماذا؟ يجيب البروفيسور عسكري: «الملخص هو الآتي: لقد طبعت إيران العملة، وهذا زاد من التضخم، ومن جهة ثانية فقد ظلت العملة الإيرانية خلال السنوات العشر الماضية مربوطة بالدولار الأميركي (لمواجهة السوق السوداء)، هناك تضخم متزايد. وبحسبة اقتصادية بسيطة، ان ازدياد التضخم يأكل قيمة العملة، لكن إيران أبقت على عملتها (الريال) مثبتة بالدولار، فماذا حدث؟ التضخم يتزايد والأهم أن أسعار العقارات ارتفعت، بمعنى أن فدان الأرض في أحسن ضواحي طهران الآن، يبلغ سعره 40 مليون دولار».

ويضيف: «ارتفع التضخم، فماذا فعل الناس، أقدموا على المراهنة في قطاعي العقارات والأملاك، وحولوا الأموال التي قبضوها بالعملة الإيرانية (الريال) إلى الدولار، ثم نقلوها إلى الخارج، لماذا؟ لأن الحكومة تركت سعر تبادل العملة ثابتاً».

وحسب تقديرات البروفيسور عسكري، فقد خرج من إيران خلال السنوات الست الماضية حوالي 250 مليار دولار. أما عائدات النفط فقد دخلت إلى إيران واستعملتها الحكومة لدعم العملة الإيرانية، «وهكذا خرج الدولار لأن أصحاب المال لا يريدون الاستثمار في إيران».

إذن، فإن البيانات الصادرة عن الحكومة الإيرانية من أن النظام الغربي يتساقط، وأن لدى إيران مناعة، خاطئة! يقول البروفيسور عسكري: «إذا نظرنا إلى إيران فإنها تعتمد كلياً على تصدير النفط، ولأن الغرب يعاني، تقلص الطلب على النفط، وإيران لا تستطيع أن تُغير في قوى العرض والطلب، ومع انخفاض سعر النفط انخفضت عائدات إيران».

ويشير البروفيسور عسكري إلى أنه كان على إيران أن تبني احتياطيها من العملة الصعبة عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، لكن ذلك الاحتياطي تقلص في إيران، ومشكلتها الآن، أنها إذا أرادت دعم وارداتها وعملتها، فلن تكون قادرة على ذلك، وإذا وصل سعر النفط إلى ما تحت الخمسين دولاراً للبرميل الواحد، سيكون أمام إيران خياران ـ برأي البروفيسور عسكري ـ الأول: إما أن تترك الريال الإيراني يعوم، وبهذا ستنخفض قيمته بشكل كبير وقد ينهار.

الثاني: عليها أن تتوقف عن الاستيراد وتوقف دعمها للمواد الغذائية، وهذا سيؤثر فيها كثيراً ويكشف أن السياسة التي اتبعتها كانت خاطئة.

إذا ظل سعر النفط منخفضاً لمدة سنتين، فإن إيران ستتأثر، لأن دولة مصدرة للنفط كالسعودية مثلاً، يمكنها الاستدانة إذا احتاجت للمال، لكن إيران لا يمكنها الحصول على الأموال بسبب المقاطعة الاقتصادية. ويقترح البروفيسور عسكري أن تحاول إيران التأقلم مع ما يصلها من عائدات النفط، وقد تواجه مشاكل داخلية إذا رفعت الدعم عن الغذاء أو لن تستطيع دعم الريال، «لقد ارتكبت إيران خطأ، لم يكن عليها تثبيت أسعار الصرف».

وماذا سيحدث بالنسبة إلى مشاريعها؟ يقول: «لننظر عبر التاريخ، لم يكن هناك من دولة قادرة على فرض نفوذها في الخارج إذا كانت ضعيفة اقتصادياً. وإذا نظرنا إلى الأمس القريب، نرى أن أهداف بعض دول منظمة «أوبك»، كانت ألا ترتفع أسعار النفط كوسيلة لإضعاف إيران. وإذا تقلصت الآن أسعار النفط، فإن الكثير من نفوذ إيران في الخليج سيتأثر».

لكن هذا لن يؤثر في برنامج التخصيب، فتكلفته ليست مرتفعة، ثم إن مشكلة إيران الاقتصادية لن تغير بالضرورة إيران، بل على العكس، فإن المتشددين سيقوُون.

قد يكون في واشنطن مَن بدأ يرى إمكانية العيش مع إيران نووية، خصوصاً أنه أمكن ذلك مع باكستان النووية الأقل استقراراً من إيران.

وفي الأسبوع المقبل، سنسلط الضوء على المرشحين الإيرانيين لرئاسة الجمهورية الذي سيبرز واحد منهم إذا ما فاز أوباما، أو يُعاد انتخاب أحمدي نجاد إذا ما فاز ماكين!