هل يعود عام 1929 مجددا؟

TT

من المستحيل، بعد مشاهدة الاقتصاد المنهار وخلاف الكونغرس الملحمي على خطة الإنقاذ المالي غير المسبوقة بـ 700 مليار دولار، ألا يتساءل المرء ما إذا كان عام 1929 قد عاد مجددا. حتى أكثر المراقبين المحنكين يعقدون مقارنات. بدأ كبير المعلقين الاقتصاديين في «الفاينانشيال تايمز»، مارتن وولف، عمودا كتبه مؤخرا، يقول: «لقد مرت أكثر من سبعين عاما على «نهاية» الكساد الكبير». الأمر المخيف ليس حادثة محددة، ولكن احتمال أن تخرج الأمور خارج نطاق السيطرة. فعدوُّنا هو الذعر السياسي والاقتصادي أيضا.

هناك نقاط تشابه بين ما حدث حينها وما يحدث الآن، ولكن هناك أيضا اختلافات كبيرة. والآن ـ كما كان في الماضي ـ اقترض الأميركيون الكثير من الأموال قبل وقوع الأزمة. وفي العشرينات كان الاقتراض بغرض شراء السيارات وأجهزة الراديو والأجهزة الكهربائية؛ وفي العقد الماضي، كانوا يقترضون من أجل شراء المنازل أو بسبب قيمة المنازل المتضخمة. والآن، كما حدث في الماضي، أصيب الناس بالدهشة جراء الأزمة التي اتسعت إلى نطاق عالمي. ولكن على عكس الماضي، تمثل الحكومة جزءا كبيرا من الاقتصاد (20 في المائة في مقابل 3 في المائة عام 1929)، وإنفاقها، على الأمن الاجتماعي والدفاع والطرق، يحقق استقرارا أكبر. وعلى عكس الماضي تحرك مسؤولو الحكومة سريعا، وإن كان تحركهم غير ملائم، لاحتواء الأزمة. نحتاج إلى أن نذكر أنفسنا أن فترات الركود الاقتصادي، على الرغم من تخييبها لأمل الملايين وإضرارها لهم، نادرا ما تصبح مآسي قومية. منذ أواخر الأربعينات، عانت الولايات المتحدة من 10 فترات ركود. وفي المتوسط استمرت لمدة 10 أشهر ووصل معدل البطالة الشهري فيها إلى 7.6 في المائة. واستمرت أسوأ فتراتها (بين عامي 1973 ـ 1975، وأخرى بين عامي 1981 و1982) 16 شهر لكل منهما ووصل معدل البطالة فيهما إلى 9 و 10.8 في المائة على التوالي. ونحن الآن على وشك الدخول في فترة من الركود، ولكن سترتفع نسبة البطالة، التي وصلت إلى 6.1 في المائة في سبتمبر (أيلول)، بشكل خطير لتصل إلى معدلاتها المرتفعة، كما كانت بعد الحرب العالمية الثانية.

تروي سوق الأوراق المالية قصة مشابهة. فقد كانت هناك 10 فترات هبوط للأسواق في فترة ما بعد الحرب في الماضي، وهي ما عرفت من خلال الانخفاض الذي وصل إلى 20 في المائة على الأقل في مؤشر البورصة «ستاندرد آند بورز 500». وقد بلغ متوسط الهبوط في الماضي 31.1 في المائة، بينما وصل انخفاض المؤشر في فترتي 1973 ـ 1974، و200 ـ 2002 إلى حوالي 50 في المائة. وعلى العكس، وصل أدنى مستوى لـ«ستاندرد آند بورز» إلى 30 في المائة بعد أن كان قد وصل إلى ذروته في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007.

كان الكساد الكبير الذي جاء بعد انهيار سوق الأسهم في أكتوبر عام 1929 وحشا مختلفا. في يوليو (تموز) عام 1932، انخفضت الأسهم بنسبة 90 في المائة تقريبا بعد أن كانت في أوجها. واستمر التدمير المصاحب لها في استمرار العجز عن تسديد الديون وتكاليف ملاجئ تقديم الطعام، لمدة عقد من الزمان. وحتى في عام 1940، وصلت البطالة إلى 15 في المائة تقريبا. وعلى عكس فترات الركود التي تلت الحرب، لم يرضخ الركود لآليات تصحيح السوق أو سياسات الحكومة. لماذا؟ تقع المسؤولية على عاتق الخلل المتأصل في الرأسمالية، إلى حد ما. فدائما ما تتحكم المبالغة في الاستثمار والمضاربة في دوائر الأعمال. ولكن المتهم الحقيقي في التسبب في عمق الكساد وطول فترته هو الاحتياطي الفيدرالي. فقد حول عن غير قصد كسادا عاديا، وإن كان مزعجا، إلى كارثة بسبب ترك البنوك تنهار والسماح بانخفاض كارثي في سيولة الأموال. ومن عام 1929 إلى 1933، أفلست خُمْس البنوك في البلاد، وانتشر هرب المودعين، وانخفضت السيولة النقدية (بالإضافة إلى إيداعات البنوك النقدية) بنسبة أكبر من الثلث، وضعفت القروض التي تمنح للشركات والمستهلكين. كما ازداد الانكماش الاقتصادي وتغلب على الآليات المعتاد اتباعها لتحقيق الانتعاش. وتضمنت هذه الطرق: بيع فائض الجرد لتتمكن الشركات من إعادة ترتيب أوراقها؛ وتوسع الشركات القوية، حيث اختفى المنافسون الضعفاء؛ وإعادة تسديد الديون الكبيرة ليتمكن المقترضون من استكمال الإنفاق الطبيعي. الذي يحدث الآن هو جهود جنونية لمنع انحلال مالي حديث يزيد التدهور الاقتصادي عمقا. ويقال إن خطة الإنقاذ التي تبلغ تكلفتها 700 مليار دولار ستنقذ البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، حيث تشتري وزارة الخزانة أوراقهم المالية التي تعتمد على الرهونات العقارية. في الحقيقة، ستنقذ وزارة الخزانة أيضا الاحتياطي الفيدرالي، الذي قام بالفعل بإقراض مؤسسات مالية تريليون دولار تقريبا في مقابل عشرات الآلاف من الأوراق المالية. وتهدف زيادة التأمين الفيدرالي على الودائع من 100.000 دولار إلى 250.000 دولار إلى منع عمليات السحب من البنوك والتي تسببت بها حالة من الذعر. في أوروبا، اتخذت الحكومات خطوات مشابهة؛ فضمنت كل من آيرلندا وألمانيا ودائع بنوكهما. ويظل سبب تردد الاحتياطي الفيدرالي في الثلاثينات محل خلاف. فيقترح بعض الدارسين دفاعا غير ذي جدوى عن قاعدة الذهب، بينما يلوم آخرون مذهب الأذون الحقيقة الذي يقيد إقراض بنك الاحتياطي الفيدرالي للبنوك المتأزمة. في كلتا الحالتين، يتفهم رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بين برنانك، وهو دارس للكساد الكبير، الخطأ. ويهدف إقراض الاحتياطي الفيدرالي وإنقاذه للبنوك إلى تجنب انكماش مدمر في النشاط الائتماني.

سوف يتحول وضع الاقتصاد إلى الأسوأ، حيث أن وفرة العقارات مستمرة، والمستهلكين الحذرين قللوا من إنفاقهم. وسوف تعاني البنوك والمؤسسات المالية الأخرى من المزيد من الخسائر. ولكن كل هذه أعراض طبيعية للركود. تقع بؤرة تعرضنا للخطر في وجود نظام مالي عالمي شديد التعقيد ربما يقاوم جهود الإنقاذ والانتعاش. من ناحية أخرى، نتج الكساد الكبير عن مزيج من اقتصاد ضعيف وسياسات حكومية خاطئة. وإذا تمكنا من تجنب ارتكاب خطأ فادح مماثل، فستكون المأساة الكبرى التي وقعت في الأسابيع الأخيرة لحسن الحظ مجرد أحداث مضللة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»