الأمر مجرد إفلاس.. وضع المؤسسات تحت الرقابة المالية

TT

في مسرحية ويليام سارويان «ذا تايم أوف يور لايف»، التي قدمها في فترة الكساد، كانت هناك شخصية تقدم دورا قصيرا في المسرحية تدعى «العربي» حيث يظل يردد مضمون المسرحية «ما من مؤسسة، على طول الطريق».

كان ذلك هو شعور النظام المالي العالمي، فما من مؤسسات، ولا سيولة ولا ملاذ آمن وما من ضوء في نهاية النفق. وجوهر المشكلة هو أن الممولين العالميين يشعرون أنهم يقفون على رمال متحركة، ومن ثم فهم لا يثقون في المؤسسات الأخرى، ولذا فهم يدخرون نقودهم كما لو كانت حبل النجاة بالنسبة لهم، على أمل أن يستطيعوا النجاة من الذعر الذي يحيط بهم.

والمشكلة هي أن كل تلك القرارات الفردية العقلانية ـ والتي يحاول من خلالها كل لاعب في الاقتصاد العالمي أن يحمي مصالحه الشخصية ـ تعتبر كارثة تحل على الجميع نشهدها الآن بأم أعيننا، ومن ثم فإن الجواب يمكن أن يأتي من المؤسسات العامة.

ولو أن الاقتصاد العالمي كان شركة واحدة، لكانت على وشك إعلان إفلاسها، وهذا ما يبعث على الفزع. لكنني، في الوقت ذاته، أحس بالارتياح من هذا التشبيه؛ فالإفلاس لا يعني أن الشركة خلت من الكفاءات أو الأفكار الجيدة، أو أنها ستتوقف عن تقديم منتجاتها، لكن ما يعنيه هو أن الشركة فقدت المال وأنها يجب أن تلجأ إلى حماية الحكومة لكي تستمر في العمل. وإذا ما تم التعامل مع الإفلاس بصورة جيدة فإن ذلك يمكن أن يقدم الحل الجيد للوفاء بجميع الديون.

وبالنسبة للنظام المالي الأميركي، فإن المكافئ لمحكمة الإفلاس هو لجنة الإنقاذ الفعلي التي يترأسها البنك الاحتياطي الفيدرالي والخزانة، وقد ركزت بعثة الإنقاذ تلك حتى الآن على ضخ السيولة في النظام المالي، لكن ذلك لم يحدث سوى تأثير بسيط ـ لأن البنوك المذعورة غير راغبة في الإقراض، ولجنة الإنقاذ لا بد لها الآن من التوجه نحو مهمة كبرى من الوصاية ـ الإشراف على تنظيم سداد الديون في اقتصاد انعدمت فيه الثقة كما هو الحال في قضايا الإفلاس العادية.

وكما هو الحال بالنسبة لوكلاء الدائنين القائمين على الإشراف على المؤسسات المفلسة، يجب على بن بيرنانك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وهنري بولسون وزير الخزانة الأميركي أن يركزا على محاولة الحفاظ على استمرار عمل النظام في الوقت الذي يظل فيه تحت الحماية الحكومية. ليست القضية في أنه لا توجد سيولة في النظام، فهناك تريليونات الدولارات موجودة في صناديق سوق المال وسندات الخزانة و«الاستثمارات الآمنة» الأخرى، لكن المشكلة بالنسبة لوكلاء الدائنين هي الاستغلال الأمثل للمال.

ويجب تطبيق نفس النظرية بالنسبة للاقتصاد العالمي، فوكلاء الدائنين في هذه الحالة سيكونون وزراء المالية على مستوى العالم ومحافظو البنوك المركزية الذين سيجتمعون نهاية هذا الأسبوع في واشنطن من أجل اجتماعهم السنوي، وآمل أن يدركوا أن عليهم التوحد الآن وإلا فسيغرق كل منهم على حدة.

نحن بحاجة إلى مؤسسة مقاصة عالمية واتحاد مالي للمؤسسات العامة والخاصة المالية الكبرى والبنوك المركزية التي يمكن أن تضمن انتهاء كل المعاملات وتغطية كل الخسائر في ذات الوقت الذي يعمل فيه النظام للخروج من الإفلاس. لقد قدم ديفيد سميك في كتابه الرائع «العالم منحني» تحذيرا مبكرا مستبصرا لتلك الكارثة واقترح أن تقوم البنوك الخاصة بتمويل 60% من مؤسسة المقاصة تلك وأن تتحمل البنوك المركزية الـ 40% الباقية. ولممارسة العمل والحصول على الحماية يجب على المؤسسات الخاصة أن تشارك كل البيانات، وهو ما يعني التخلص من الأوراق السامة في دفاترها.

وما يهم الآن هو الحصول على التعهد من الجميع بخلق مؤسسة دعم عالمية كي تكون هناك مؤسسة للإقراض والتجارة على طول الطريق. ويقول سميك: «ما يحدث الآن هو إعادة تقييم لكل الأصول الموجودة في العالم، حيث يجب أن يكون الحل عالميا».

والكارثة العالمية تشبه على حد بعيد الإفلاس، لكن حقيقة الأمر أن الإفلاس أمر عادي وحقيقة واقعة كل يوم، وأنه في ظل إدارة رشيدة، تكون عملية توكيل أكثر منها عقوبة إعدام. نحن نعلم كيف يمكن القيام بتلك المهمة وكيف يمكن استغلال وكلاء الدائنين لحماية الشركات الخاصة وعامليها عندما تتهاوى الشركات.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»