العزيز شحاته

TT

كان الدكتور إبراهيم أنيس، الخبير اللغوي، يتضايق مما يسميه محاولات الصحافيين والكتاب التعاطي في الأبحاث اللغوية. فهذا علم معقد وسعة لا يضمها العلماء فكيف الهواة وإن هاموا وإن شغفوا وحتى إن أصابوا. ويا مولانا نحاول على سبيل الهوى وما على المرء أن تتم الرغائب. ولا ندعي علما ولا معرفة، فكلما أبحر المرء على ضفافهما أدرك ان البدايات صعبة واللجة خادعة والمحيط استحالة.

لكن التجربة يا مولاي حق الحالمين. وعشق اللغة من عز النفس وليس كل من رفع شراعا احمد بن ماجد. فما هي إلا ملاحظات في ظل اللغة وكتابات على حواشيها. والعلم للعلماء والعالمين للعلم ورأفة بنا إن نحن أغرتنا المحاولة، فهي عندنا كل شيء، شغفا وهواية واحترافا، نصانعها فتصنعنا، نغوص فيها فترفعنا، نعود بها فتقدمنا، نتراجع إلى قديمها فتطورنا، نظنها الوسيلة فإذا هي الغاية، هي الزرع وهي الحصاد. لا موسم لها ولا فصول ولا وقت. شقاؤها متعة وتربتها بلا غبار وريُّها من ينابيعها وعلى كل فنن زهرة أو برعم أو قطاف، فما يهم إن كان الحاصد سيدا من الأزهر أو عابرا في البساتين.

المسألة يا مولانا أن لنا الحق في أن نحبها بالتساوي. عامة وخاصة وسادة علماء. والأفضلون لا مفاضلة في السعي. ولا فوز في اللغة بعد الإعجاز الذي دونه العلم والعلماء والكاتبون. ولا أقول الكتبة لأنها كانت تعني زمن الجاحظ من يملى عليهم، وما هم دائما بأمناء.

ولولا الجاحظ المضاعف الملاحظات بسبب بروز عينيه، أو جحوظهما، إذا شئت، لما تنبه إلى هذه الصناعة كثيرون. وهي مهنة مثيرة للإعجاب والشفقة. صبرها صبر وكدُّها كدّ وساعاتها طوال وعجفها دائم. مجهول أبدي في عالم الشهرة. كذلك كان العزيز شحاته مستكتب نيل الأدب المصري، طه حسين. ظل النيل يملي في الليل والنهار. في الشعر والنثر. في الرواية والبحث. في التربية والسياسة. في النقد وفي ما قد يمكن أن يقرأ كمديح. في الهجوم وفي الرَّد. وكان على المستكتب أن يعيد قراءة ما نقل على النيل الضرير. وأن يصحح. وأن يرتب الحركات في مواضعها. ومسكين العزيز شحاته. لا يزال اسم طه حسين عنوان الغلاف على كتاب الأدب المعاصر، ونحن لا نذكر إن كان شحاته اسمه الأول أو اسمه الأخير أو اسم الدلع.