الهند.. مرة ثانية

TT

مرة أخرى ومن جديد تبين لنا الهند الفارق بشكل عملي بين الشعوب التي تعمل والشعوب الفارغة. فها هي الهند تطلق مركبتها الفضائية والمصنعة بالكامل بعقول وأياد وتقنية هندية إلى القمر لتنضم إلى نادي الفضاء، وهو ناد محدود الأعضاء. الهند تجربة مبهرة تواصل أسر كل من يتابعها، فها هي أكبر ديمقراطيات العالم تحصد ثمار ما زرعته من الاعتناء الاستثنائي بالتعليم والتدريب وإدماج فصائل المجتمع المختلفة والمتنوعة في رؤية واحدة كان محركها اقتصاد المعرفة، والتي باتت الهند ونموذجها الاقتصادي شعارا صارخا لذلك. يحدث هذا بينما «الجارة» باكستان تستمر في تطاحنها القبلي والطائفي الأحمق، ويستمر معها مهرجان الاغتيالات والسيارات المفخخة التي تحصد الضحايا الأبرياء بهمجية وعشوائية غريبة.

العالم الثالث يشاهد باندهاش وإعجاب يصل إلى الغبطة والحسد (وإن كان أحيانا لدى المكابرين يصل إلى درجة من الاستخفاف بالإنجاز الهندي بحيث يصبح طرحا عنصريا وبغيضا وأرعن).. يشاهد الهند وهي تنتقل من خانة الدول النامية، التي كانت تنتمي إليها، إلى مجموعة العالم الثالث، لتنضم إلى الدول الصناعية الكبرى بجدارة واستحقاق.

اليوم الهند تحولت إلى مركز الثقل والنخاع الشوكي للعالم التقني الحديث، وأحد رجال أعمالها يملك أكبر شركة حديد في العالم، وإحدى أهم شركاتها «تاتا» التي تمتلك كبرى الشركات والفنادق حول العالم بجدارة وإبهار. واليوم تتصدر الهند العالم في الإنتاج السينمائي، وأدباؤها يواصلون حصاد أهم الجوائز. العالم العربي مطلوب منه التمعن بجدية في التجربة الهندية والاستفادة الكبرى من عناصر التفوق فيها لأنها تقدم نماذج مهمة ولافتة لما يمكن إنجازه وتحقيقه، فالنموذج الهندي قريب من الحال العربي ونفس التحديات التنموية موجودة ونفس التحديات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية موجودة هي الأخرى بلا جدال. ولا يزال في الجعبة الهندية المزيد من المفاجآت المذهلة، فالسيارة المنتظرة «النانو» والتي ستصنع من قبل شركة «تاتا» تجهز للانطلاق لتقدم للعالم أرخص سيارة وبالتالي تمكن العديد من سكان العالم من فرصة تملك سيارة بسعر رخيص.

الجامعات والمدارس والمعاهد الفنية بالهند تواصل تحسين مقدراتها ومناهجها لتصبح أكثر تنافسية وأكثر فعالية وليتحول الهندي (بعد أن كان مثارا للسخرية والنكتة) إلى أحد أهم عناصر الكفاءة والنجاح والتفوق، ويصبح «سعره» في سوق العمل أعلى من الكثير من نظرائه من دول العالم الصناعي القديم. لا شك أنهم في بنغلاديش وباكستان (وحتى سيري لانكا ونيبال) يتحسرون وبشدة لأنهم بعيدون عن القطار الهندي النفاث، وبعيدون عن الحراك والتنمية الاقتصادية المبهرة، فالفجوة كبرت كثيرا بينهم وبين بلدهم الأم.

مرة أخرى الخيار الهندي هو المساواة بعدل، والتعليم بلا حدود، فحصدوا مجدا يحسدهم عليه العالم. المثال الهندي لا يزال مبهرا وآسرا وقصة نجاح تستحق أن تروى.. والأهم تستحق أن يستفاد منها.

[email protected]