.. ونحن نناشد نبيه بري

TT

رجاء لا تندهشوا..! فقد ناشد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الجامعة العربية، والمؤسسات الدولية والعالمية، والزعماء والقادة المسلمين والعرب والمرجعيات الدينية، وكل مسلم مخلص، بحسب بيانه، من أجل التدخل لحماية المسيحيين في العراق.

ولم يكتف بري بذلك، بل طالب الجامعة بضرورة إطلاق مبادرة من أجل ذلك، وعقد مؤتمر في الموصل لوزراء الأوقاف العرب، حيث يحذر بري من محاولات استهداف المسيحيين، وتفتيت العراق.

لو أن هذه الدعوة جاءت من نيلسون مانديلا لقلنا جاءت من رجل يقول ويفعل، لكن أن تأتي من السيد بري فهذا أمر محير، يصعب هضمه على أعتى معدة سياسية. فكيف يطالب بري بوحدة الصف العراقي، وحماية أحد مكوناته، وهو الأمر الذي لم يفعله هو يوم السابع من أيار، عندما احتل حزب الله الإيراني، ومعه ميليشيا «أمل» التابعة للسيد بري، العاصمة بيروت؟

فإن كان السيد بري يحذر من المطامع الخارجية التي تهدف إلى تقسيم العراق فليسمها بوضوح! هل يريد أن يقول إن الأميركيين هم المقصودون؟ حينها سيكون السؤال: وهل كان الأميركيون خلف تسليح مقاتلي حزب الله وقوات أمل، يوم انقلاب بيروت؟ وهل كانت واشنطن هي من أعطى الضوء الأخضر لاحتلال بيروت، وهو الاحتلال الثاني لها بعد الاحتلال الإسرائيلي لها؟

حماية المسيحيين في العراق، وفي كل مكان في عالمنا العربي، بل وحماية جميع الطوائف، هي مطلب الحريصين على وحدة الدول العربية، وضمان عدم مس دول خارجية بسيادة دولنا، فهل السيد بري مثلنا في هذا الموقف؟

إذا كان ذلك موقف السيد بري، فكيف يفسر لنا تصريحه بأن من حق المقاومين أن يستعينوا بدول خارجية، وعليه أن يفسر كيف تكون هذه هي قناعاته قبل أسابيع، واليوم يطلق التحذيرات من أجل حماية المسيحيين ووحدة العراق؟ إن نبيه بري يريد تسجيل أنه حامي المسيحيين، لكنها ارتدت عليه.

فالسيد بري، ورجال ميليشياته في حركة أمل، متورطون في شق صف وحدة لبنان، واستهداف أحد مكوناته، وفي ذلك مساس بوحدة لبنان كله، ومساس بتركيبة دولة عربية من أجل مصالح خارجية، فلذا لا يمكن أن نقتنع بخوفه على مسيحيي العراق اليوم.

مسيحيو العراق، وكما كتبت من قبل، واجب على الجميع حمايتهم، ومثلهم كل الأقليات، في كل بلد، وحماية كل مواطن أيا كان مذهبه أو ملته، لكن ومن أجل أن يتحقق ذلك فلا بد من أن يمتنع الساسة عن المتاجرة بالإنسان العربي، أيا كانت هويته أو ديانته.

وأول خطوة لمنع المتاجرة بالإنسان العربي هي التوقف عن جعل الأوطان مسرحا لكل تدخل خارجي، سواء ببعد ديني أو لمكاسب أخرى، والأمر ينطبق على بيروت قبل بغداد، لكن يبدو أن السيد بري لم يتنبه إلى أن القلق السائد في العالم العربي، وتحديدا لدى العقلاء، هو عدم تحول العراق إلى لبنان آخر، لا العكس.

عندما يأتي السيد بري ناصحا من أجل وحدة دولة عربية، والخوف على أحد مكوناتها، ليته يفعل الأمر ذاته في لبنان، لكي لا ينطبق عليه قول الشاعر:

يا أيها الرجـل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم!

[email protected]