تأمين صحي للجميع.. كيف يتسنى صياغة ذلك؟

TT

من المخجل بدء مناقشة سياسة الرعاية الصحية قرب نهاية الحملة الرئاسية (الأميركية)، في تلك المرحلة التي تصل فيها لغة الخطاب إلى أدنى مستوياتها. ففي معرض نقد مقترحات (المرشح الجمهوري لمنصب الرئيس) جون ماكين، وهو يُشخَّص على أنه شخص «غريب الأطوار» وأنه «ليس على إطلاع بما يجد أخيرا»، في مجال الصحة النفسية، هاجم (المرشح الديمقراطي لمنصب الرئيس) بارك أوباما و(المرشح لنيابته) جوزيف بايدن خطة الرعاية الصحية لجون ماكين، وقد كان هجوما مضللا في كافة تفاصيله تقريبا. لقد اقترح ماكين استبدال نظام دعم الرعاية الصحية الحالي الذي يقدم لأصحاب العمل بائتمان ضريبي من شأنه أن يساعد الأفراد والعائلات على شراء غطاء التأمين. وصف بايدن ذلك بأنها «أكبر زيادة في الضرائب في التاريخ على الطبقة المتوسطة».

وفي الواقع، فإن التوازن الذي يقترحه ماكين سيثمر عن تقليل الضرائب التي يدفعها الجميع تقريبا، ما عدا التي يدفعها ذوو الدخل المرتفع. ولا يكف أوباما عن التأكيد أن ائتمان ماكين «لن يذهب إليك، ولكن سوف يذهب مباشرة إلى الشركة التي تؤمن لديها». والنقطة هي أنه حيث أن الائتمان يهدف لشراء التأمين الصحي، فإلي أي مكان آخر يجب أن يذهب؟ هل من العار أن يؤول ائتمان رعاية الأطفال إلى مراكز رعاية الأطفال؟ ويضيف أوباما: «سيخسر 20 مليون أميركيا على الأقل التأمين الذي يعتمدون عليه من أماكن عملهم». وكما يقول يوفال ليفين، من مركز الأخلاقيات والسياسة العامة، إن ذلك قلب للحقائق. وذكر تقييما لمركز سياسات الضرائب يقول إن خطة ماكين سوف تفضي إلى دخول 21 مليون شخص في سوق التأمين الفردي بحلول عام 2018، ويكون الدافع وراء الكثيرين أن الملكية الفردية للتأمين ستكون أكثر جذبا. وتشير كافة التحليلات إلى أن خطة ماكين سوف تؤدي إلى زيادة في عدد الأميركيين المؤمن عليهم.

ويصف أوباما خطة ماكين بأنها «راديكالية»، وتعد تلك الصفة الفضيلة الأساسية بخطة ماكين التي تتناول جذور المشكلة، وهو الاعتماد بالأساس على أماكن العمل في توفير غطاء التأمين الصحي. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، أتت التكلفة المتنامية للتأمين الصحي على الموظفين على الزيادة في المرتبات، فهي تحد من الأجور ويعاني الكثيرون بسببها ثبات الرواتب أو نقصانها. وقد جعل التأمين الصحي الذي يعتمد على أماكن العمل الكثير من العمال يخشون تغير الوظائف، الأمر الذي يمثل قيدا في منظومة التوظيف الخاصة بالاقتصاد الجديد.

ونظام التأمين هذا يعد تمييزا ضد النشاطات التجارية الفردية، كما أنه يضع الكثير من الأعباء على الأنشطة التجارية الصغيرة، ويعزل الموظفين عن القرارات الخاصة بتكاليف الرعاية الصحية. وفي الواقع، ثمة تصوران لإصلاح نظام الرعاية الصحية: استخدام الحكومة لزيادة تغطية التأمين الخاص أو استخدامها لتوفير الرعاية الصحية على نطاق واسع، وقد اتجه ماكين إلى المنحى الأول، فيما فضّل أوباما الثاني.

وطبقا لخطة أوباما، فإن أصحاب العمل الكبار والمتوسطين سيكونون مجبرين على توفير الغطاء التأميني للموظفين أو دفع أموال في برنامج حكومي جديد، على غرار نظام التأمين الطبي، ومن شأن هذا البرنامج الحكومي توفير التأمين للمواطنين. وقد يبدو ذلك كأنه منافسة شريفة بين القطاعين العام والخاص، ولكن الواقع ليس كذلك. فعلى عكس الشركات الخاصة، يمكن للحكومة تقليل التكاليف عن طريق فرض قيود على الأسعار أو نقل التكاليف إلى آخرين، كما يحدث في نظام الرعاية الطبية. وبمرور الوقت، سوف يعطي ذلك الحكومة ميزة تسعيرية غير عادلة تميزها عن شركات التأمين الخاصة، ما يعني أن المزيد والمزيد من الأنشطة التجارية سوف تضخ أموالا في البرنامج العام. وثمة مشكلة في الخطة الصحية التي يقترحها ماكين، ولكن ليس أنها راديكالية للغاية، ولكن كونها تتسم بالجبن أكثر مما ينبغي، حيث سيساعد ائتمان ضريبي يمكن إعادة تمويل قيمته 5000 دولار للعائلة، بالإضافة إلى المزيد من الأجور النقدية من أصحاب العمل الذين لم يعد يعانون من أعباء الدفع مقابل الرعاية الصحية، موظفي الطبقة الوسطى على الحصول على التأمين. ولكن بالنسبة للمواطنين غير المؤهلين للاستفادة من برنامج الرعاية الطبية، فإن الائتمان الذي يبلغ 5000 دولار وحده لن يكون كافيا لشراء التغطية التأمينية المناسبة، التي يمكن أن تتكلف أكثر من ضعف هذا المبلغ. ولتقديم بديل حقيقي، فإن على الجمهوريين اتباع منطقهم الخاص وجعل ملكية شركات التأمين الصحي الخاصة حقا مكفولا، وعليهم تمويل شراء خطة التأمين الصحي الأساسية بالكامل عن طريق ائتمان ضريبي يمكن إعادة تمويله، حتى يتمكن الأميركيون صغار الدخل تحمل التأمين، كما يجب مساعدة المستهلكين على ممارسة خيار خطط الصحة التي تم التوصل إليه أخيرا عن طريق المطالبة بالإفصاح عن معلومات شاملة عن التكاليف الصحية والنتائج. الرعاية الطبية العالمية عبارة عن شيء متوقع لكنه مخيف، ولكن قد لا يمكن تجنبه ما لم يستطع الجمهوريون مواجهة شعار «الرعاية الصحية للجميع» بطرح بديل أسمى وأكثر بساطة تحت شعار «التأمين الصحي للجميع».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»