نصحوني ألا أبحث عن أي صديق (1 ـ 5)

TT

كأنني الفيلسوف اليوناني ديوجين أحمل في يدي مصباحاً، أبحث عن صديق في وضح نهار بغداد. سألت عن صديقي الشاعر حافظ جميل. قيل لي: لا تسأل. قلت: لماذا؟ قالوا: لا داعي ففي ذلك إحراج له..

وفهمت أن الشاعر له موقف أو أشيع أن له موقفاً من صدام حسين. وأنه وأنه. وحاولت أن أبعث له بتحياتي وأشواقي. وقيل إن الرسالة قد بلغته. وبس. وكانت لنا سهرات بديعة: الشعراء صالح جودت وأحمد رامي وعلي أحمد باكثير. وكان حافظ جميل ألطف وأمتع. وكانت حكايات ونوادر كل ليلة. في بيته أو على شاطئ دجلة في مطعم أبي نواس.. وكان سمك «مسجوف».. سمك يستخرجونه من النهر ويقومون بشوائه أمامنا. وهو طعام لذيذ لا تجده إلا في بغداد.

وسألت عن صديقي العالم الأديب رئيس المجمع العلمي عضو المجمع اللغوي المصري د. يوسف عز الدين فقالوا: لا نعرف ـ أي أنه لسبب ما اختفى. اختفى في السجن أو في القبر أو هرب. والحمد لله أنه هرب إلى السعودية وعمل أستاذا في جامعاتها.. ثم هاجر إلى بريطانيا وسبقه ولداه وهما طبيبان في الجامعة، وتوفيت زوجته ويعيش وحيداً ـ أعوذ بالله.. وقالوا لي أيضاً: لا داعي لإحراجه إن كان حياً. فقلت أنا مصري وهو صديقي وصدام لا يستطيع أن يضايقني. قالوا: بل يستطيع أن يضايق صديقك فيضايقك أنت.. وتسافر ثم يدفع هو الثمن.. ويكون الثمن فادحاً إذا كتبت عن ذلك في الصحف المصرية..

لقد رحمه الله من سجن صدام أو تحت التراب!