العرب والنفط والسياسة

TT

كنت أنوي أن أكتب في هذا الموضوع منذ اليوم الذي بدأت فيه أسعار البترول بالتزحلق إلى الأسفل، لكنه كان مجرد تخمين بأن الأسعار ستنزل إلى ما دون تسعين دولارا. اليوم الرقم يتجه حقيقة نحو الخمسين دولارا، السعر الذي لم يفكر به أحد قبل ثمانية أسابيع فقط.

لهذا تبدل المشهد مرة ثانية لذا دعونا نقرأ قيمة البترول سياسيا. فالمداخيل النفطية الكبيرة كانت تعني، بالنسبة لبعض دول المنطقة، صفقات سلاح وصفقات سياسة ولعبة شطرنج نشيطة. إيران، الدولة الثانية بتروليا في أوبك، هي الدولة الأنشط سياسيا في المنطقة، يوم كان سعر البرميل عشرين دولارا فقط، تميزت بسياسة مهادنة، او لنقل بالفعل معتدلة. وبمجرد أن تقافزت الأسعار للبرميل فوق الخمسين ظهرت لها سياسة هجومية. مع كل دولار يصعد كانت تضم المزيد من الأتباع، وتنفق بسخاء على الحلفاء من سوريين وفلسطينيين وحزب الله، عدا عن المجاميع العراقية. أيضا، تمددت نشاطات الدول النفطية العربية الأخرى، فالنفط الغالي يذهب بالعقل مثل الخمرة. كلها اعتقدت ان هبوط أسعار النفط دون المائة وأربعين دولارا من سابع المستحيلات. نحن الآن نتجه، ربما، إلى أربعين دولارا. ومن يدري فقد يأتي قريبا اليوم الذي لا نجد فيه من يشتري النفط بعشرة دولارات.

تلام الأزمة المالية العالمية على هبوط السعر مائة دولار، وسيتسبب الجشع واللامسؤولية عند منتجي النفط بهبوطه إلى ما دون ذلك، سيغشون في الإنتاج، كما كانوا يفعلون في الماضي، وستكبر بحيرة النفط المعروض، وتنهار الأسعار.

في السوق اليوم فائض بنحو أربعة ملايين برميل، ومن اجل تصريف هذا الفائض وافق أعضاء أوبك على تقليص الإنتاج، لكن ألا تبدو لكم القصة مألوفة. في الثمانينات، وبعض التسعينات، ظهر فائض نفطي، واتفق المنتجون على التخلص منه، إلا انه رغم اتفاقهم مرات على حصص التخفيض كانوا يكذبون على بعضهم، وكان المعروض يزداد، والسعر يتناقص. أخشى أننا سنعيش التاريخ مكررا، فالاستهلاك العالمي يتناقص والنفطيون يريدون دولارات لتمويل مشاريعهم الاسمنتية والسياسية.

علاقة النفط بالسياسة هي أن كل الدول المنتجة، وكل دول المنطقة العالة عليها، ستتناقص مداخيلها، ولا بد ان تتأثر السياسة من وراء ذلك في المنطقة. فهل ستستمر إيران في مشروع المليار دولار لتمويل الأصدقاء الأشقياء؟ هل ستستمر دول الخليج بنفس الكرم السياسي الذي تهدي فيه طائرات للرؤساء ومشاريع هدايا لزعماء غربيين؟ هل ستخفض موسكو اهتمامها السياسي بمنطقتنا لأن ذلك سيكلفها اقتصاديا في علاقاتها مع الغرب؟ هل ستستمر الصين في تمويل جزاري أفريقيا، في وقت ترى انكماش الدولارات؟

لا نتحدث عن مطلع العام، بعد أسابيع من الآن، بل عن كل العام المقبل الذي سيشهد أوضاعا مختلفة جدا، ربما. المؤكد ان السياسة مرتبطة بشكل وثيق بثمن برميل البترول، فبعض ما نراه من قلاقل او تحالفات مردها الفائض المالي من النفط. اليوم السعر أقل كثيرا، فمن سيمول؟

[email protected]