(بارات) الصحة ثانياً: الحليب

TT

في يوم السبت الماضي تكلمت عن تجربتي لارتياد أحد (البارات) الصحية، وكانت محتويات مشروباته كلها من الماء، وقررت بعدها أن أجرب نوعا آخر من البارات، بحكم أنني مولع بالتجريب إلى درجة أنني أحياناً أكاد أودي بنفسي إلى التهلكة، لكن ما باليد حيلة، فمثلما يقولون: البِس أو القط دائماً يدور على خناقه.

وقد سمعت عن بار جديد مفتوح لا يقدم غير مشتقات الحليب بجميع أنواعه، لبست أجمل ما عندي و(تهندمت)، وذهبت إلى ذلك البار وأخذت مقعداً علياً مواجهاً (البارمان) العتيد الذي ينضح وجهه صحة وحُمرة من كثرة شربه للحليب.

سألته مثلما سألت صاحب (بار) الماء، ماذا لديك أيها الساقي لتروينا؟!

ـ أغمض عينيك، وافتح فمك، ولسوف أسكب فيه ما لا تنساه أبداً.

ـ لا يا عمي لا أريد شيئاً ينسيني، أعطني مما أعطاك الله، قل لي ما هي الأنواع، وماذا تنصح به؟!

ـ هناك حليب نوع من الجواميس الهندية، وهو أدسم حليب على وجه الأرض ـ هذا إذا كنت تحب الدسم ـ؟!

ـ لا، لا أحب الدسم، سواء في الحيوانات أو البشر، لأنه يكتم أنفاسي.

ـ إذن عندي حليب بقر من (هولندا)، أو حليب ما عز من (بلغاريا)، أو حليب اللاما من (البيرو)، أو حليب الشياه من (سوريا).

وإن كان يروق لك اللبن الحامض فهو موجود وقد أتينا به من لبنان واسمه (عيران)، وإن كنت تريده حالي فلدينا لك (المِلك شيك)، بس أنت آمر وأتدلل.

ـ ما يأمر عليك ظالم، لكن زدني زادك الله من سعته، ماذا لديك أيضاً؟!

ـ أريد أن أقول لك لديّ شيء لا تتصوره، لكن أخاف تضحك عليّ وتعتبرني مسطولا، غير أن حصولنا عليه يعتبر مكسباً ما بعده مكسب.

ـ لا قل وعليك الأمان، لقد شوقتني، وجعلت ريقي يسيل.

ـ أشار خلفه لبرميل زجاجي ممتلئ، وقال: هذا حليب بشري.

ـ يا ساتر (!!)، كل هذا الحليب من امرأة واحدة؟!.

ـ لا إنه حليب خليط من النساء، هل تريد أن تتذوقه؟!، امتعضت من كلامه ونهرته محتجاً: ماذا تتصورني أمامك، هل أنا طفل يحتاج إلى رضاعة؟!، قال لي: عفواً لقد فهمتني غلط، فكنت أتصور أنه قد يكون لك طفل يحتاج إلى ذلك، فالكثير من النساء يأتين إلى هنا ويشترين من هذا الحليب بالذات لأنه طبيعي ومفيد جداً لأطفالهن. بعدها سألته: هل لديك حليب (خلفات)، ولم يفهم، فقلت له: إنها الناقة أنثى الجمل. قال: لا مع الأسف، وهل هو مفيد؟!، قلت له: نعم إنه أفضل علاج لمن كان لديه عسر هضم في أمعائه، كما أنه مقو للباءة، فتشبث بي يريدني أن أدله على مصدره، ووعدته خيراً، فأينكم يا أصحاب (مزايين الإبل)؟!.

ومدّ يده وأحضر قارورة وقال: إن هذا حليب خيل من (منغوليا)، عندها سألته: هل لديك حليب حمير؟!، غضب من سؤالي غضباً شديداً يعتقد أنني أهزأ به، ولم يدر أنني جاد، وأحلف بالله العظيم أنني أعرف أحد الأشخاص في إحدى الدول العربية، هذا الرجل عندما كان صغيراً أصيب بمرض (الكحيكحان) ـ أي السعال الديكي ـ وكاد يفطس ويموت، وأشاروا على أهله بذلك الحليب، ومن حسن حظهم أن هناك حمارة قد ولدت لتوها جحشة، وأخذوا يحلبون الحمارة من ديد ويسقونه لطفلهم، ويتركون الديد الآخر للجحشة الصغيرة لترضعه ـ وهي قد أصبحت أخته من الرضاعة ـ، وقد سخر الله له تلك الحمارة ليشرب من حليبها عدة أشهر إلى أن شفي.

وإنني أنصح أي أم تقرأ هذا الكلام ولديها لا سمح الله طفل أصيب (بالسعال الديكي)، فلا تتردد عليها بالحليب الذي ذكرته.

وإلى اللقاء يوم الأربعاء المقبل، لندخل سوياً آخر (البارات).

[email protected]