البحث عن فروة

TT

سوف يهزمنا أصحاب نظرية المؤامرة إذا كان ما يحدث في هذا العالم المتهاوي هو حقا من شغل المتآمرين. نحاول دائماً السخرية من هذه الفكرة على أساس أنها قناعات المتخلفين. لكن فجأة يقع شيء ما، شيء لا يقدر عليه فرد ولا دولة ولا حتى مجموعة دول، فتقول في نفسك، وماذا إذا كان هؤلاء السذج على حق؟ هل يعقل أن تحدث مثل هذه الكوارث الكبرى من تلقاء نفسها؟ أن يفرغ العالم مرة واحدة من السيولة؟ أين ذهبت؟ أين تبخرت؟ كيف طبعت تلك الأموال وأين أودعت وأين أحرقت وأين حط رمادها؟ أسئلة ساذجة، مثل أصحاب نظرية المؤامرة، لكنها أسئلة واجبة أيضا. لا يعقل أن يسقط هذا العالم من تلقاء نفسه كأنه بيت من الريح. صفير مفاجئ ولا يبقى شيء.

كلما وقع شيء في مثل هذا الحجم، يسائل المرء نفسه، هل هو الأسوأ؟ هل سيكون هذا القرن أسوأ القرون؟ هل يمكن أن يتجاوز القرن العشرين، الذي لا نزال نعيش في بقاياه: حربين عالميتين. هتلر وستالين وموسوليني وماو تسي تونغ. سيبيريا السوفياتية وهيروشيما الأميركية. زلزال سان فرانسيسكو و«تسرب» تشيرنوبيل.

ولكن هل كان كله كارثة ومؤامرة؟ ألم ينتقل البشر من الحفاء إلى الحذاء؟ ألم يلغ الجدري؟ ألم يرزق الإنسان شيئا مذهلا يدعى حبة الاسبرين؟ ألم ينته عصر الموت بالالتهاب مع اختراع البنسلين؟ ألم ننتقل من الدواب إلى الكونكورد؟ من العربة بالحصان إلى مرسيدس بـ 350 حصاناً؟ ألم نزرع الصحراء ونصِّدر أزهارها إلى هولندا؟ الم يرتفع معدل حياة الإنسان من 42 إلى 72 ولو أن ابن كثير حدثنا عن الذين عاشوا 500 سنة؟

من يصنع المؤامرات الجميلة؟ يدبر اللقاحات ويقلص الأوبئة ويزرع القلوب والأكباد والعيون ويحلِّي مياه البحار وينقِّي مياه الأنهر ويخترع الزرع في المياه دون تربة ويعلب الطعام ويبرِّد الناس في نواكشوط ويدفئ العالم في ألاسكا ويعرض علينا مباريات كرة القدم «حية» في البرازيل ويعدل الضغط الشرياني ومستوى السكري وسرعة النبض ويشفي قصر النظر في 20 ثانية؟ هل هذا كله مؤامرة؟ أم أن المؤامرة هي أن جميع هؤلاء لم يخترعوا حتى الآن دواء للصلع؟ لقد فات الأوان في أي حال على مهلكم!