هوفر ضد روزفلت

TT

لقد ألقى باراك أوباما وجون ماكين برهاناتهما، وباتت الانتخابات صراعا بين الأمل في وجه الخوف، والحديث في وجه القديم. وعلى أساس تلك المصطلحات ستتقرر نتائج انتخابات الرئاسة لعام 2008، ومن ثم فمن غير المنصف أن يقوم المتابعون للأحداث السياسية بمهاجمة كل من أوباما وماكين بسبب تقديم القليل من الأفكار النوعية سعيا لمحاولة إنقاذ النظام المالي المتردي، كما أنه من الحماقة أيضا أن يُطلب منهما التخلي عن وعودهما الانتخابية لكي يتضرعا إلى الرب لتحقيق الموازنة المتوازنة. قدمت كلتا الحملتين معلومات وفيرة حول الميول والأمزجة والعادات والاتجاهات الفلسفية والمستشارين الذين سيحضرون إلى البيت الأبيض مع كلا المرشحين. ولكن لن تجدي تلك الكومات الهائلة من المقترحات نفعا لأن الأزمة تتحرك بصورة تفوق قدرات الجميع لدرجة أن الأفكار الجديدة تنقلب إلى قديمة في غضون أيام قلائل، وهو ما يتطلب إعادة صياغة جوهرية جادة كما جاء في خطة ماكين لشراء ديون الرهن العقاري خلال تلك المناظرة. وفي خضم تلك الكارثة المالية، أصبح الوصول إلى الأفكار التي لم تتطرق إليها الأذهان من قبل أمرا حتميا هذا الأسبوع، فإدارة بوش تفكر في أن تتبع رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون في امتلاك أسهم في العديد من البنوك لتمكينها من الحصول على السيولة والإقراض مرة أخرى. وإذا كان أوباما قد اقترح أمرا كهذا لألصقت به تهمة الشيوعية وكان على الإدارة أن تتبنى البحث عن أفكار أخرى ضرورية، والأفضل من ذلك أن يعترف المرشحان أنهما عاجزان عن اتخاذ القرارات المصيرية حتى الرابع من نوفمبر(تشرين الثاني).

وبالنسبة لخفض الإنفاق على برامجهما نتيجة لما تقوم به الحكومة من عمليات إنفاق وإقراض لإنقاذ الاقتصاد، يجب على المرشحين أن يقولا: لا، لمن يتسببون في عجز الميزانية. حقًا إن الحكومة الفيدرالية تواجه عجزا ضخما في الميزانية تفاقمت حدته خلال ثماني سنوات، لم يبد فيها من يصرخون الآن للمطالبة بالمحاسبة المالية أي معارضة عندما بدأت الإدارة حربين وخفضت الضرائب في ذات الوقت. فأين كان صقور عجز الميزانية حينئذ؟

إن وقت إصلاح الميزانيات هو الوقت الذي ينخفض فيه تقدم الاقتصاد. أما الآن، فإن الحكومة لن تكون ملزمة بإصلاح الاقتصاد فقط، بل وإعادة النمو بعيد المدى أيضا. ذلك الأمر سيتطلب استثمارات تحويلية في مجال البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم والتقنيات الخضراء الجديدة. وحقيقة الأمر، أنه إذا ما نجحت خطط الإنقاذ تلك، فإنه يجب على الحكومة أن تستعيد الكثير من المال الذي أنفقته خلال انتعاشة الاقتصاد. وإن لم تنجح تلك الخطط، فإن معادلة الميزانية ستكون أبسط مشكلاتنا، وسيتطلب الإصلاح قصير المدى للاقتصاد ضرورة التفكير فيه بمعزل عن باقي الميزانية، كما يجب علينا أن نهرع إلى إنشاء هيئة تنشيط اقتصادية مستقلة تختص بالتعامل مع زيادة أو نقصان السيولة من مختلف خطط الإنقاذ.

وقد أعطانا كل من أوباما وماكين شعورا واضحا بشخصية كل منهما والطريقة التي سيتبعها كل منهما إذا ما دخل إلى البيت الأبيض. وقد بدا واضحا أن أوباما يدرس الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت عام 1932، حيث لم يكن العامل الرئيس في نجاح روزفلت هو البرنامج الضخم، بل الشعور الكبير بالتفاؤل وسط حالة اليأس والإحباط، فقال في كلمته خلال مؤتمر الحزب عندما أعلن ترشيحه رسميا لخوض انتخابات الرئاسة: «ليس هذا وقت الخوف فإما أن تكون هناك ردة فعل قوية وإما أن يكون هناك ضعف واستكانة».

وفي الأيام الأخيرة، صور أوباما نفسه على أنه شخصية هادئة، براغماتية، متفتحة وتنظر بأمل إلى المستقبل، وبدا أنه يتبع خطوات روزفلت حينما قال أمام حشد من الجماهير في إنديانابوليس يوم الأربعاء: «ليس الوقت هو وقت الخوف أو الذعر، إنه وقت اتخاذ القرارات السليمة والقيادة السديدة».

أما بالنسبة لماكين، فيبدو أنه يحاول بث الرعب وإثارة الشكوك حول أوباما، وهو نفس الشيء الذي حاول هربرت هوفر القيام به تجاه روزفلت؛ ففي الفترة التي سبقت انتخابات 1932 هاجم هوفر «الاتفاق الجديد غير التام»، وتوقع أن يعمل على «تقويض مواد الدستور»، وحذر الناخبين من «ذلك الوعد البراق».

لم يتوقف هوفر عن التصريح بأن روزفلت شخصية مشهورة، فذكر دونالد إيه ريتشي في كتابه الذي صدر في 2007 بعنوان «انتخاب روزفلت» أن هوفر كان ينظر إلى روزفلت على أنه «أضعف وأكثر خصومة عرضة للانتقاد» و«أنه لم يحترمه كخصم سياسي». وينقل إلينا ماكين ـ بصورة لا يمكن لمتابع أن يخطئها ـ الإحساس بأنه يشعر بالشيء نفسه تجاه «ذلك الشخص» الذي ينافسه. لا يزال من المبكر تماماً التنبؤ بأن الحملة الانتخابية لعام 2008 ستكون تكرارا لتلك التي كانت في عام 1932، لكن التاريخ يشير إلى قانون هام في الانتخابات الأميركية، ألا وهو أن المرشح الذي يبخس تقدير إمكانات خصمه غالبا ما يخسر، وأن الأمل غالبا ما يهزم الخوف.

*خدمة «واشنطن بوست»

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)