تركيا في مجلس الأمن

TT

انتصار تستحقه الدبلوماسية التركية وحكومة العدالة والتنمية، التي كانت تعد نفسها لأكثر من عملية تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنافسة شديدة مع ايسلندا والنمسا على مقعدين لمجموعة دول أوروبا الغربية، فجاءت المفاجأة خلال دورة التصويت الأولى لتحصد نسبة تفوق وبكثير الحد الأدنى المطلوب، وتسجل فوزها باسم الكثير من الدول والعواصم.

ويكفي هنا لمعرفة حجم الانتصار الدبلوماسي التركي هذا واهميته بالنسبة لتركيا، ومن وقف الى جانبها في طلبها هذا مراجعة وتأمل لائحة اسماء الدول المرشحة للمناصب الخمسة المتنافس عليها بين اكثر من دولة وعدد الأصوات التي حصلت عليها مع التذكير أن بعضها تم ترشيحه بالتزكية والتسوية السياسية تجنبا لأية منافسة قارية وجغرافية. تركيا التي نجحت قبل سنوات في ايصال مرشحها اكمال الدين احسان اوغلو الى منصب الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الاسلامي وفي انتزاع قرار التجديد له لفترة أخرى والتي تتوسط في أكثر من خلاف ونزاع اقليمي يتقدمه الصراع الاسرائيلي ـ السوري والقضية الفلسطينية والازمة اللبنانية، والتي نجحت قبل اشهر في جمع الدول الافريقية في لقاء اسطنبول، ووقعت قبل اسابيع اتفاقية تعاون استراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأعلنت انها على استعداد لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع جارتها أرمينيا وحل مشاكلها المزمنة معها في اعقاب زيارة الرئيس غل الى يريفان استحقت عن جدارة هذا المقعد وهذا الدعم الدولي الكبير.

وزير خارجيتها علي باباجان حزم حقائبه و«مترس» في نيويورك منذ اكثر من اسبوع لمتابعة فعاليات فريق العمل التركي المشارك عن قرب وتجنب وقوع مفاجأة آخر لحظة. ولأن التصويت كان يتم بطريقة سرية فإننا قد لا نعرف طبعا اسماء البلدان والعواصم التي وقفت الى جانب أنقرة ومنحتها ثقتها بهذه العضوية، لكننا نعرف تماما أن دول العالمين الاسلامي والعربي ورسائل الود الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي ومعظم العواصم الافريقية وقفت جنبا الى جنب مع الجمهورية التركية والكثير من المراهنين في أوروبا على دور تركي أقليمي لتمنح الاتراك 151 صوتا، من أصل 192 لم يكن حتى الدبلوماسي التركي المخضرم ومندوب تركيا في مجلس الأمن باقي الكين يتوقع الحصول عليها، وهو عبر عن ذلك عندما لم يتمالك نفسه وترك دموع الفرح تنهمر من عينيه أمام عشرات كاميرات التصوير ومئات السياسيين والدبلوماسيين، الذين كانوا يتابعون الحدث.

ما نعرفه أولا أن حكومة العدالة والتنمية، لن تكتفي بعد الآن بالتعبير عن آرائها ومواقفها من البعيد، من خلال البيانات والتصاريح، بل هي ستجلس جنبا الى جنب مع أهم دول صنع القرار تحت مظلة أهم المؤسسات الدولية، وهي لن تتحرك هناك لحماية مواقفها ومصالحها، بل لتدافع عن سياسة أقليمية منفتحة متعددة الجوانب طرحتها في السنوات الخمس الأخيرة، شجعها عليها وطالبها بها الكثير من الدول.

ما نعرفه ثانيا أن تركيا التي ظلت لأكثر من 47 عاما تنتظر مثل هذه الفرصة، لن تفرط فيها بسهولة، بعد أكثر من 5 سنوات من العمل الجدي والحذر، وأن وصول تركيا الى هذا المقعد يعني وصول الكثير من المراهنين على دورها وفاعليتها وقدرتها على التأثير الايجابي، في المساهمة الفاعلة لحل الكثير من المشاكل الاقليمية والدولية العالقة.

ما نعرفه ثالثا أن رئيس الجمهورية التركي عبد الله غل، طرح في كلمته التي القاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في اواخر الشهر المنصرم، برنامج العمل الذي ستتبناه وتدافع عنه تركيا خلال العامين المقبلين، تحت سقف مجلس الامن وفي مقدمته القضية الفلسطينية، التي تنتظر الحل الدائم والعادل والعمل على انهاء الازمات العراقية واللبنانية والافغانية، وايصال مسألة الملف النووي الايراني والحروب في القوقاز الى بر الأمان الذي يطمئن الجميع بتسوية تزيل حالة التوتر الاقليمي، وتبعد شبح الحروب عن المنطقة. هذا الى جانب اعلانها انها ستدافع عن الكثير من القضايا الدولية، التي تنتظر حلولا عملية عاجلة في طليعتها مشاكل حقوق الانسان والبيئة والرفاهية والهوات والفوارق الاجتماعية، وأزمات الجوع والفقر في العالم هذا، الى جانب البحث عن سبل ووسائل تفعيل دور منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها. وتحديث أنظمة وطرق التصويت وصدور القرارات ومراجعة طريقة عمل محكمة العدل الدولية والزامية قرارتها.

السؤال المتبقي والواجب طرحه هنا هو حول معرفة ما اذا كانت تركيا ستنجح في الاحتفاظ بمقعدها هذا للسنوات المقبلة أيضا وفي ايصال رسائلها، واقناع دول مجلس الامن الدولي الخمس الكبرى بها، في ظل نظام متحكم داخل هذا المجلس، يرفض تقديم اية تراجعات أو تنازلات، ويتمسك بما انتزعه من حصانات وامتيازات في طليعتها مسألة العضوية الدائمة وحق النقض، الذي حصل عليه قبل عشرات السنين، لكنه يصر على عدم اعادة قراءة المعادلات والتغيرات والتركيبات الجيواستراتيجية في العالم؟

* كاتب وأكاديمي تركي