أمسك بصدرها ففجر أزمة

TT

أمسك الشاب بصدر فتاة يافعة وهي تمشي في أحد شوارع القاهرة المكتظة، وكرر فعلته وهو منتش من فعلته ومن سلبية الناس، استشاطت الفتاة غضبا فلاحقت المتحرش راجلة مستغلة زحام السيارات فقفزت على سيارته النقل «بيك أب» وتشبثت بيدها على رقبته والأخرى على مقود السيارة وهي تصرخ بأعلى صوتها لتنجح في خلق جمهرة ثم فوضى فتدخل الشرطة وهذا بالضبط ما أرادت، فقد صدر الأسبوع الماضي في القاهرة حكم صارم ضد المجرم بالسجن ثلاث سنوات، وهو ما يعتبر للأسف سابقة في الدول العربية التي ليس لديها قوانين واضحة تحدد التحرش وأساليبه وطرقه وتجرم عليه.

لم تدرك نهى رشيد صالح المصرية ذات الـ27 ربيعا أنها وهي تقفز فوق السيارة أنها قفزت نيابة عن ملايين النساء العربيات اللائي تعرضن للتحرش بصورة أو بأخرى، ولم تحسب نهى أنها حين صرخت أنها أطلقت صرخة نسوية عربية طالما كانت مكتومة مكبوتة. الحظ العاثر وحده هو الذي أوقع هذا المجرم مع هذه الفتاة الجريئة الجسورة، فهي مخرجة سينمائية ومتفتحة، ومنفتحة بأسفارها على المجتمعات الغربية ولهذا عرفت كيف تقتحم حاجز الخوف وسدود التقاليد لتطلق ساقيها للريح وتقبض على المعتدي وتستصرخ بالناس، ولو أن هذا الشاب المجرم وضع يده الآثمة على صدر فتاة محجبة لأحمر وجهها خجلا ولكتمت خبرها عن أعز الناس عليها، ناهيك من أن ترفع بلاغا للشرطة فكيف بالقفز فوق السيارة والصراخ لتجميع الناس.

إن الإحساس بالعار والخوف من شبحه في التقاليد العربية، وهذا في نظري أمر مفهوم، يعتبر المناخ الذي تترعرع فيه جرثومة التحرش وتتكاثر فيه بويضاته، أنا لا أطالب السيدات الخجولات أن يفعلن كما فعلت نهى فهذا صعب، لكن يجب عليهن ألا يسكتن ضد جرائم التحرش ولتعترض كل ضحية بطريقتها ولتبلغ عنها، وإلا فإنهن يساهمن من حيث لا يشعرن في استفحال هذه الجريمة الأخلاقية وانتشارها.

لقد كان لنهى الفضل بأسلوبها الجريء في التصدي لهذا الشاب الوقح في لفت نظر مصر هذه الأيام لاستصدار قوانين تجرم التحرش وتعاقب عليه بعد أن كانت القوانين حول هذه الموضوع فضفاضة باهتة، وأما بعض الدول العربية الأخرى التي نتغنى فيها بالقيم والأخلاق فلم تتعرض أصلا للتحرش في قوانينها، على خلاف الدول الغربية «المتحررة»، فقد سنت قوانين صريحة وقاسية ضد كل أشكال التحرش الجنسي؛ حتى أنهم أخذوا المسطرة وبالمليمتر قسموا جسم الإنسان إلى أجزاء لكل جزء من الجسم عقوبة صارمة على حسب درجة حساسية العضو، واعتبروا أن ربت الرجل على كتف امرأة أثناء الحديث نوعا من التحرش إذا لم يعجبها، بل إن مشي الرجل في بيته أمام خادمته عاريا أو شبه عار اعتبروه تحرشا.

نحن كعرب مسلمين أولى أن نحمي الأعراض بأشد القوانين صرامة، فبضاعتنا عن التحرش الجنسي والموجودة في الأرفف الغربية نحن أولى بردها إلينا. المؤلم أن قوات الشرطة في بعض الدول العربية ترتفع بينهم نسبة التحرش بالفتيات، وقد سمعت بنفسي شرطيين في «الحسين» قلب العاصمة المصرية يعاكسان فتاتين بأقذع الألفاظ وزملاؤهما يضحكون ويتندرون، بل إن نهى ضحية التحرش قالت بأن الشرطة رفضت في البداية فتح محضر حول الحادثة.

كل إحصائيات التحرش الجنسي في الدول العربية شهدت ارتفاعا، ولو أخذت الرسم البياني لهذا الارتفاع كما وتوقيتا لوجدته متزامنا مع ثورة الانترنت وإطلاق بعض الفضائيات العربية المتحررة.. وللحديث بقية.

[email protected]