حق الاعتراض

TT

لأحد المفكرين العرب رؤية جديرة بالتأمل تتصل بخطورة تعليم غير الموهوبين، فمن شأن ذلك ـ وفق وجهة نظره ـ احتلال غير الموهوب مستقبلا مواقع قيادية وظيفية لا يستطيع التعامل معها لما تتطلبه من ذكاء، وسعة أفق، وقدرات ابتكارية لا تتوفر لديه.. والمتأمل لبعض القيادات الوظيفية يمكن أن يلحظ مساحة الفروقات بين قائد وظيفي وآخر، وانعكاسات ذلك على الأداء في هذه المنشأة أو تلك، فالقيادة الوظيفية كالقلب إن صلحت صلح الجهاز كله، والعكس صحيح أيضا، ومن أجل ذلك تجد بعض الدول المتقدمة تستخدم بعد مرحلة التعليم الإلزامي الكثير من المعايير والمقاييس لتحديد قدرات الطلاب، وتحديد المؤهلين منهم للدراسة الجامعية، وهؤلاء هم الذين تعدهم مستقبلا لاحتلال مواقعها الوظيفية القيادية.. وتطبيق مثل هذه الأساليب يتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والمصداقية لتحظى بثقة المجتمع ودعمه..

ومن الطبيعي أن يهتم برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بوضع ضوابط ومعايير في اختيار الطلاب المبتعثين لتحقيق المصداقية في الاختيار، وقد خطت وزارة التعليم العالي خطوة رائعة، وهي تقر مبدأ حق الاعتراض لغير المقبولين في البرنامج، وتخصص لذلك أسبوعا لتسلم هذه الاعتراضات ودراستها، وذلك لتطبيق مبدأ الشفافية والعدالة لجميع الطلاب والطالبات.. وأشهد أن هذا الأسلوب العادل يمنح عمل الوزارة الكثير من المصداقية، ويبرئ ساحتها من القيل والقال، ومن تهم المحسوبية والوساطة، وهو إجراء لا نملك إلا أن نقف أمام فكرته تقديرا واحتفاء، والوزارة بهذا الإجراء تؤكد على احترام الفرد، وحقه في معرفة أسباب عدم قبوله أسوة بالآخرين.. وأتمنى أن تعم هذه الشفافية كلياتنا ومعاهدنا في الداخل، وهي تعلن كل عام نتائج قبولها لكي لا يكون في نفس البعض إحساس بالغبن نتيجة عدم معرفة الأسباب التي أدت إلى عدم قبوله في هذه الكلية أو تلك..

حق الاعتراض أسلوب جميل وحضاري ومنطقي يمكن أن يؤسس لتعميق إدراك الشاب لحقوقه، كما يمكن أيضا تطبيقه في المسابقات الوظيفية، وسائر المسابقات والمنافسات الأخرى، فمن حق الإنسان الطبيعي أن يعرف المعايير التي يحتكم إليها في القبول أو الرفض، وهذه المعرفة من شأنها محاصرة الشائعات والظنون وتلفيق التهم، والتأكيد على مبدأ العدالة، ومن شأنها أيضا أن تمنح الشباب شعورا بالمساواة وتكافؤ الفرص حسب المقدرات، وهو شعور نحتاج أن يستقر في نفوس الشباب ليشكل درع حماية من الإحباط والانكسار.

تحية تقدير لوزارة التعليم العالي، ودعوة للآخرين لكي ينضموا إلى مائدة الشفافية.

[email protected]